استعمرت أرواحهم وأفكارهم، يغلبنا بهذا السوس الذي تركه الاستعمار في وزارة المعارف، وفي الصحف، والكتب؛ يغلبنا بهذه الأقلام التي تغمس في مداد الذل والهوان الروحي لتكتب عن أمجاد فرنسا، وأمجاد بريطانيا، وأمجاد أمريكا.
ولن نستطيع التغلب على هذا الاستعمار، إلا إذا حطمناه في مشاعرنا، وحطمنا معه لأجهزة التي تستحق إيماننا بأنفسنا. هذه الأجهزة الممثلة في وزارة المعارف ومعاهد التربية، والأفلام الخائنة الممسوخة التي سبحت يوما وما تزال تسبح بحمد فرنسا أو إنجلترا أو أمريكا.
وأنا لا أطمع في الجيل الذي شاخ أن يصنع شيئاً. هذا الجيل قد انتهى. جيل منخوب مهماً بدا كالطود الشامخ. جيل مزيف لأنه لا يؤمن بنفسه، ولا يأنف من تقبيل الأرجل التي تركل قومه ووطنه وإنسانيته أيضا. جيل لا بأس أن تكرمه فرنسا، وأن تكرمه إنجلترا، وأن تكرمه أمريكا؛ لأنه يعمل لحسابها ويؤدي لها خدمات، لا يؤديها جيش مسلح كامل.
كلا! لست أطمع في هذا الجيل الذي شاخ. إنما أنا أطمح في جيل الشباب المتحرر. الذي يحترم رجولته، ويحترم قوميته، ويحترم إنسانيته. .
أطمع في جيل الشباب أن يخرس كل صوت يرتفع في مدرسة أو معهد أو كلية بتمجيد الرجل الأبيض، الذي خان أمانة الإنسانية.
أطمع في جيل الشباب أن يحطم كل قلم ينغمس في مداد الذل والعار، ليمجدوا الرجل الأبيض الذي يدوس أعناقنا بحذائه
أطمع في جيل الشباب أن يحتقر كل رجل يصادق الرجل الأبيض، طائعا مختارا، بدون ضرورة ملجئة تحتمها الأوضاع الدبلوماسية!
ويوم ننقض الاستعمار على هذا النحو من أرواحنا وعقولنا. .
يوم تغلي دماؤنا بالحقد المقدس على كل ما هو أوربي أو أمريكي. .
يوم نسحق تحت أقدامنا كل من يربطنا بعجلة الاستعمار. .
عندئذ فقط سننال استقلالنا كاملا؛ لأننا نلنا الاستقلال من داخلنا:(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). (سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا). .