إنني أفهم أن تهتف لهم فرنسا، أو أن تهتف لهم إنجلترا، أو أن تهتف لهم أمريكا. . أما أن نهتف لهم نحن العرب فهذا هو الهوان البشع، الذي لا يقدم عليه فرد وله كرامة!
إن مكان هؤلاء اليوم كان ينبغي أن يكون مكان الجواسيس والخونة والطابور الخامس، لا مكان التمجيد والتقدير والاحترام.
كل رجل غمس قلمه ليمجد فرنسا أو يمجد إنجلترا أو يمجد أمريكا. . هو رجل منخوب الروح، مستعمر القلب، لا يؤتمن على النهضة القومية، ولا يجوز أن يكون له مكان في حياة هذه البلاد بعد نهضتها.
إنني لا أكاد أتصور أن هناك إنسانا له مشاعر الإنسان يرى (الرجل الأبيض) يدوس بأقدامه على أعناقنا في كل مكان ثم يجد نفسه قادراً على تمجيد هذا الرجل، أو حتى مصادقته إنني أشك في آدمية هؤلاء الكتاب، وهؤلاء الوزراء، وهؤلاء الأساتذة. نعم أشك في آدميتهم لأن أول مميزات الإنسان أن يحس بكرامة الإنسان.
أفهم أن تكون هناك ظروف اضطرارية تلجئنا إلى تبادل التمثيل السياسي والقنصلي، وإلى المبادلات التجارية والصلات الاقتصادية مع هؤلاء المستعمرين القذرين. . أما أن يتبادل العواطف والمشاعر، وأما ن نتحدث عن المآثر والمفاخر وأما أن نفتح قلوبنا وصدورنا. . فدون هذا ويعجز خيالي عن تصور المهانة، وتصور المذلة، وتصور المسخ الشعوري الذي يصيب الفطرة البشرية، فيهوي بها إلى ذلك الدرك السحيق من الهوان.
من الذي يسمع عن وحشية الفرنسيين في الشمال الأفريقي ثم لا يمزق كل ما هو فرنسي، إن لم يكن بيديه وقدميه، فعلى الأقل بمشاعره وقلمه ولسانه؟
من الذي لا يحتقر أمريكا ويحقر معها آدمية الأمريكان وهو يجد المعدات الأمريكية والدولارات الأمريكية تشد أزر الاستعمار الأوربي في كل مكان. . لقاء مساومات اقتصادية أو استراتيجية أو عسكرية؟
من الذي يملك أن يقف على الحياد في معركة الحرية بين الاستعمار الغربي وبين البشرية كلها في مشارق الأرض ومغاربها ثم لا يكتفي بموقف الحياد بل يمد يده بالمصافحة والمحالفة لهذا الاستعمار القذر، الذي تلعنه الأرض والسماء؟
إن الاستعمار لا يغلبنا اليوم بالحديد والنار. ولكنه يغلبنا قبل كل شيء بالرجال الذين