سيصبحون مدرسين بطابع الإعجاب والقداسة لأولئك المستعمرين القذرين، الذين يحتقروننا ويهينون كرامتنا، فنتلى ذلك منهم بالشكر والثناء وهذه جناية قومية، وجناية إنسانية. . جناية قوميةلأن الرجل الأبيض يستغلنا ويستغل أوطاننا استغلالا شنيعاً، ومن واجبنا أن نعبئ أعصابنا ومشاعرنا ضده، لنسترد حقوقنا المسلوبة. وجناية إنسانية لأننا بتمجيدنا للأوربي والأمريكي إنما نمجد مثالاً مشوهاً للإنسان، ونقيم تمثالاً للجشع والطمع والسلب والنهب والاحتيال. ثم نضع تحت أقدامه أكاليل المدح والثناء!
أمامي وأنا أكتب هذه الكلمة جريدة مصرية صباحية يتحدث كاتبها فيها عن مأساة تونس مع فرنسا فيقول مخاطباً رئيس الدولة الفرنسية:
(أما إذا كان يقصد شق الطرق وإنشاء السكك الحديدية، وتشييد الأبنية وزيادة الرخاء الاقتصادي. . فلعله يعرف أن هذا كله تم لفائدة المستعمرين من الفرنسيين. أما أهل البلاد الأصوليون فيعيشون كالغرباء. لا يزالون جهالا حفاة عراة. وقد ساومت أمريكا على أرض مراكش، فأعطت أمريكا امتياز إقامة المطارات والاستحكامات الحربية على الشاطئ في مقابل أن تنصرها أمريكا، وتمهد لها السبيل لتنفيذ سياستها).
ولكن الكاتب يقول مع هذا عن فرنسا إنها (البلاد التي علمت الدنيا مبادئ الحرية والإخاء والمساواة)!
وهذا هو الاستعمار الروحي، الذي يقيد مشاعرنا حتى ونحن ثائرون على الاستعمار السياسي!
هذا هو الاستعمار الروحي الذي ينطق الكاتب بهذه الخرافة حتى وهو يستعرض تاريخ فرنسا الأسود، ومساومات أمريكا الاستغلالية.
هذا هو الاستعمار الذي في أرواحنا المدرسة المصرية التي تنفذ أهداف الاستعمار إلى اللحظة الحاضرة. بل يقوم على رأسها وزير كان من عباد إنجلترا، ثم أضحى من عباد أمريكا ومعه معاهد تربية تتعبد أمريكا من دون الله في الأرض!
هذا هو الاستعمار الذي بثته في أرواحنا كتاب خانوا أماناتهم للوطن، وخانوا أماناتهم للإنسانية، فوقفوا أقلامهم طويلاً على تمجيد فرنسا. ومع ذلك فغن بعضنا لا يزال يهتف لهم، وبعدهم رواداً للفكر في الشرق!