اللغة العربية، أما نشر الأفكار والمذاهب والآراء، ورياضة الأقلام على وصف ما جل ودق من شؤون الحياة بأسلوب واضح مقبول يفهمه العوام ولا ينكره الخواص، وخلق الروح الوطني والديني في نفوس الجماهير، وتقريب ما بين الشرق والغرب من المسافات العقلية، فذلك كله من ثمرات الجهاد المحمود، جهاد الصحافة الأدبية والسياسية، فهي التي رفعت اسم مصر بين أقطار الشرق، وهي التي أذكت مواهب الرجال، وهي التي أمدت اللغة العربية بروافد لم تر مثلها في أيامها الزواهر لعهد بني أمية وعصر بني العباس فما حال الصحافة العراقية؟
لم يصح عندي أن في العراق صحافة تساير ما فيه من النهضات العلمية والقومية، وإن كثرت فيه الجرائد والمجلات، فكيف تخلف العراق في هذا الميدان مع أنه تقدم في أكثر الميادين؟
قد يجاب بأن الصحافة هناك ترزح تحت أثقال من القيود بسبب العواصف السياسية، وهو كذلك، ولكن ما سبب تلك القيود؟
يرجع السبب إلى أن الصحافة العراقية ترى أن الحرية لا تكون إلا في الحدود التي تتمتع بها الصحافة المصرية، وذلك خطأ فظيع: فالمصريون والعراقيون يختلفون اشد الاختلاف في الميول والأهواء، ولو شئت لقلت أن في الطبع المصري هدوءاً لا يعرفه الطبع العراقي؛ فالمقالة القاسية في جريدة مصرية لا تغير إحساس الجمهور إلا بمقدار ضئيل، ولا كذلك المقالة القاسية في جريدة عراقية، فهي تزلزل إحساس الجمهور اعنف الزلزال، وقد تقبح سمعة من كتبت فيه ابشع التقبيح.
سمعت أن جريدة عراقية أغلقت لأنها كتبت مقالا عنوانه (الفرات الهائج)، فكيف أغلقت من أجل هذا العنوان؟ أغلقت لأنها تناست الفرق بين الهياج والطغيان، فالهياج يضاف إلى السكان، أما الطغيان فيضاف إلى الماء.
والسبب مضحك لمن ينظر فيه وهو يجهل المدلول السياسي لهياج الفرات، أما الذي ينظر فيه وهو يعرف محرر الجريدة ومذهب الحزب الذي ينتمي إليه فقد يعده باباً من التحريض، وقد يراه بوادر لمصاعب لا تطاق، وما احب أن أزيد!!
ومعنى ذلك أن الصحفيين العراقيين يخربون بيوتهم بايديهم، فهم لا يعرفون سياسية القول،