للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وهم يجنون على أنفسهم حين يفكرون في محاكاة الصحافة المصرية، وهي صحافة باغية لم تدع أديماً صحيحاً إلا مزقته بلا ترفق ولا استبقاء.

قضيت ليلة من ليالي الطوال في بغداد وأنا حزين بسبب ما كان ينشر في جريدة (الرأي العام) طعنا في مصر والمصريين؛ ولكن كيف؟ هل كانت تلك الجريدة تشتم مصر والمصريين؟ لا، وإنما كانت تنشر أقوال المصريين بعضهم في بعض، فتذيع ما كان يقع من التهاجي بين جرائد الدستوريين والسعديين والوفديين. . . فماذا صنعت؟

رأيت أن اذهب لمقابلة مدير الدعاية بوزارة الداخلية هناك لأفهمه أن الجمهور العراقي سيحقد على الحكومة العراقية حين يرى نفسه محروما من الطعن في وزرائه على نحو ما يتمتع به الجمهور المصري، وهو حال أن دام فستكون له عواقب سود. فكانت النتيجة أن تكف جريدة (الرأي العام) عن تقديم ذلك الطعام (المسموم) لقرائها (الأصحاء)

الصحافة الحزبية في مصر صحافة مؤذية، وهي كريهة المذاق، ولن ينجو العراق من شر هذه الصحافة إلا يوم تنجو منها مصر، وهيهات ثم هيهات!

ولكن الصحافة الحزبية عندنا تستر شرها بالتحدث عن أشياء من العلوم والآداب والفنون؛ أما الصحافة الحزبية في العراق فهي سياسة في سياسة في سياسة، ولا يظفر منها القارئ بزاد على أو أدبي إلا في أندر الأحايين.

تذكرت صحافة العراق حين نظرت في كتاب (السلوك، لمعرفة دول الملوك) وهو كتاب ألفه المقريزي ونشره الدكتور (محمد مصطفى زيادة) بعناية تضيفه إلى أقطاب المحققين، فرأيت المؤلف لا يرى الدنيا إلا في أخبار الملوك والوزراء، أما الشعب فليس له من جهد المؤلف خلاف وكذلك تكون صحافة العراق.

لو أن الصحافة العراقية جعلت أحوال المجتمع العراقي همها الأصيل لظفرت بجاذبية روحية وأدبية تغنيها عن الاهتمام بأخبار الوزراء، والجريدة الموفقة هي الجريدة التي تحدث الشعب عن ذات نفسه وتنقله إلى أفاق من الفكر والقلب والوجدان.

أما الجريدة التي لا تعرف غير الأخبار الرسمية، ولا توجه جهودها لغير الجانب السياسي فهي جريدة قليلة النفع في تربية العواطف وإحياء الآمال.

والصحافة الحزبية في مصر خليقة بأن تسمع هذا القول قبل أن تسمعه الصحافة الحزبية

<<  <  ج:
ص:  >  >>