ابتدأ العام الدراسي ونظرنا فإذا المقررات هي هي، وإذا الكتب هي هي، منذ عشرة أعوام حتى لكأنما سار هذا الموكب الحافل من المدرسين والمفتشين طوالها لا يلمسون عيباً، ولا يحسون عوجاً، ولا يرضون عنه بديلاً. وكأنما رضوا أما آتاهم المفتشون ولصقاؤهم من كتب خالدة باقية على الزمن يتغير كل شيء ولا تتغير، وتعيش في جو يجر التلميذ والمدرس إليه كرهوا أو رضوا، تعبوا أم استراحوا فإنما هو تأليف فلان أو فلان من الخيرة الأعلام الراسخي الأقدام!
يتغير كل شيء ويتطور، وتخرب الأرض وتعمر، وتقوم الحرب وتضع أوزارها، وتثور الشعوب وتخمد ثورتها، والكتب المدرسية ماضية فيما هي لا تتأثر بهذه الأحداث، وأي عيب في هذا؟
أليست حقائق الأشياء ثابتة ما لها من زوال؟
لقد بحت أصواتنا - حن المدرسين - أن أدركوا الناشئة من التلاميذ التي جنت عليها الدراسات العقيمة في الأدب والقواعد الجافة التي لا تخرج عن إنها مضيعة للوقت ومفسدة للعقل، فقالوا: هدامون نسافون مخربون، فجئنا لهم بالأحجار والملاط، وقلنا لهم شيدوا! أولا، فأفسحوا لنا المجال لنشيد بعيدا عن تحكم المفتشين، وعجرفة المناهج، فأبوا إلا مضياً في الفساد، ورجفت قلوبهم من التغيير والتجديد. وهاأنذا أضع بين يدي القارئين طرفا من هذا العوج حتى يلبوا القائمين على شئون التعليم بوزارة المعارف، ويردوهم إلى شيء من التبصر في أمر هذه الناشئة.
فالتلاميذ في المدارس الثانوية يدرسون أدب اللغة العربية على طريقة التلقين فالحفظ من غير تذوق الإدراك، ولا إحاطة بملابسات العصر المدروس، في كتب مضغوطة محشوة، وكثيرا ما يلجأ المدرس إلى بترها أو مسخها أو سلخها، فيزيد من غموضها وإنبهامها، ويخرج التلميذ بجمل في كل شاعر أو خطيب لا تبقى معه ريثما يخطها على ورقيته ثم يفرق الله بينهما ابد الآبدين.
وقد اقترحنا علاج هذه المشكلة بأن يقرر مع العصر روايات لها فائدتها في إنارة العصر المدروس وأحواله الاجتماعية، فرب رواية تكون أجدى على التلميذ من قراءة كتب من موسوعات أدب اللغة.