كل شوط، ليسائلوا أنفسهم هل سروا حقاً؟ هل استطاعوا أن يغرقوا ذواتهم المضطربة، ويسكتوها ولو دقيقة واحدة؟ فهؤلاء بعيدون عن السرور، وأحرى أن يتقلب بهم هذا السرور إلى شر، أو يزيدهم شراً.، إنهم يحتسون من خمرة الخيام تلك التي اتخذها ليغرق في أكوابها صحوه وعقله
وإذا ما التوت الحياة وتعقدت، وكان ضيقها لا ينفرج، وعقدتها لا تحل، إلا في نحر الوفاء، وتضحية الصدق، فما عسى يصنع الأديب؟ أما ابن الحياة فينحر هذه غير آسف، بل هو ينحرها دون أن يعلم، ولو توصلاً (إلى ترفيع درجة إن كان موظفاً). . . فهل يستطيع الأديب ذلك؟ وماذا يصنع بهذا الضمير وهذه المثل التي لا حياة له إلا بها؟ إنه خليق أن يجن أن فعلها. . .
نعود فنستميح - أديبنا المازني - عذراً، فما أراد كل هذا، وإنما أراد أن يوهم نفسه ساعة واحدة أنه أصبح كسائر الناس، يسر بما يسرون ويضحك كما يضحكون. وقديماً قال:
يا صدى إن بقلبي لكلوماً وهموماً ... مدرجات فيه لكن لا تموت
كلما قلت قضت رهن السكوت ... صحن بي من كل فج يتراءى
عم مساء
أما هذا الرفيق المخالف الذي يتمناه للأديب، فما أخال الأحياء مع الأديب إلا إياه، وما أظن الدنيا تتعدى أن تكونه. فحسبه هذا. . .