وأنا أقول له: إن الكتاب الذين يشير إليهم إن يقرءوا باب الوصل والفصل في كل كتاب من كتب المعاني مائة مرة فلن يأتوا منه في أسلوب بشيء، إنما يعوز هؤلاء - كي يقدموا للقارئ أسلوبا لا تتعادى فقرة. . . الخ. أن يقرءوا الأدب العربي ويفهموه ويتذوقوا ويعيشوا معه حتى يكتسبوا منه سليقة يعرفون بها الفصل من الوصل وغير الفصل والوصل من مقتضيات البلاغة، فالذي افهمه من معنى أن البلاغة هي معرفة الفصل من الوصل إن الكلام البليغ ما يجيء فيه كل من الفصل والوصل في موضعه، فليس المقصود من البلاغة هنا أنها (علم بقواعد).
وفي وسع أي كاتب أن يرد على هذا الكلام بمقال يبين فيه الفوائد التي لا تحصى من دراسة علوم البلاغة، ولكن المحقق أنه لن يفكر وهو يكتب هذا المقال في شيء من قواعد هذه العلوم. . .
وبعد فثمة عامل من عوامل ضعف تلاميذ المدارس في اللغة العربية لم أر أحداً نبه عليه، ذلك أن فروع اللغة العربية من إنشاء وأدب وقواعد وتطبيق ومحفوظات ومطالعة وإملاء وخط - متعاونة كلها متآزرة كأعضاء الجسد. . . الواحد إذا اشتكي فزع منها تداعى له سائر الفروع بالدرجات المكملات للنهاية الصغرى اللازمة للنجاح. . . فالذي يقع من جراء ذلك أن التلميذ يهمل فروعا قد يجهلها جهلا تاما اعتمادا على تلك الوحدة الرائعة. .
فلا نعجب إذا رأيت تلميذا ينجح في امتحانات اللغة العربية وهو لا يستطيع كتابة سطر بأسلوب سليم، لأنه يحفظ القواعد أو يحسن غيرها من بقية الفروع، وقل مثل ذلك الباقي، ولو جعل لكل مادة درجة معلومة لا بد منها للنجاح لاضطر التلميذ أن يصل إلى المستوى الذي يجب أن يكون عليه في كل مادة بجلا من أن نمكن له أن يجهل شيئا بشيء.