رسالة واردة من باريس، ثم منظر ميدان إيجوير المقفر في
جير الظهيرة، ثم بيت صغير يبزغ على الأرضكأنما كان من
إشارة عصا سحرية، ثم صوت نحيل متقطع ينطق من هذا
البيت، صوت طفلة من تلميذات المدارس تقرأ كلمة كلمة
وحرفاً حرفاً في كتاب أكبر منها: (حينئذ. . صاح. . القديس.
. إيرنيه. . أنني. . قمح. . المولى. . ويجب. . أن. . أطحن.
. بأنياب. . هذه. . الوحوش. .) وإنها لعبارة خليقة بأن تبعث
إلى مخيلتك المكان والزمان والوجوه التي طالعتها بل ودرجة
الحرارة إذا ذاك، فهي تمثل لك الشيخين، والطفلين، وقفص
العصافير، والذباب العالق بالسقف، والساعة المعتمدة على
الحائط، وقد أخذتهم جميعاً سِنة من النوم. ما ناسب كلام
مقتضى الحال كهذه الجملة الوحشية من تاريخ الشهداء الأوائل
الذي يشبه الأساطير، تلقيها على مسمع شيخ سطا عليه الكري
في مقعده ساعة القيلولة صبية من بنات ملجأ الأيتام لا تكاد
تجيد الهجاء. وأكبر الظن أن دوديه لم يبتدع هذه العبارة
ابتداعاً، وإنما اقتنصها أو اقتنص مثيلة لها على شفتي طفل
يتعلم القراءة في بعض كتاتيب القرية أو بعض زوايا الريف.