الصميم؛ بل لقد خرجت أيضا على المؤدبين ونظرياتهم وعقائدهم. . اختاروا لتعليمها وتأديبها رجلا من كبار المؤدبين. فلقد توفي أبوها جستاف ادولف في حومة الوغى، بين قعقعة السلاح وهزيم المدافع، في حرب الثلاثين عاما، ولم تكد الفتاة أن تبلغ السادسة من عمرها.
ولم يكن للعرش وارث سواها فحاول المؤدبون أن ينموا فيها طباع الملوك وأخلاق الرجال، فإذا هي لا تعرف سوى أهواء النساء وميول النساء. وإذا فيها كل ما في المرأة المسرفة من تعسف وتسرع، وعناد كعناد الأطفال، وتطرف، ومتابعة للشهوات، وأرادوا منها أن تناصر المذهب البروتستنتي، الذي مات أبوها في الدفاع عنه، والذي بلغت السويد ما بلغته من العظمة بالذود عن حوضه فإذا كرستينا لا تعبأ بالدين البروتستنتي، ولا يهمها أن تمضي البلاد في تلك الحروب الدينية، بل لقد انتهى بها الأمر إلى نبذ البروتستنتية تماما والميل إلى الدين الكاثوليكي. ولم تكد تبرح البلاد بعد اعتزالها الملك حتى اعتنقت الكثلكة وتركت البروتستنتية غير آسفة عليها، وغير مكترثة لذلك التراث الديني المجيد الذي ورثته. بل لعل السبب أو بعض السبب الذي دفعها إلى اعتزال الملك حب ذلك الدين الكاثوليكي الذي أشربت بغضه وعدواته منذ الطفولة
وبذل المؤدبون كل جهودهم لكي يلقنوها منذ طفولتها كيف تسوس البلاد. وكيف تضطلع بأعباء الملك. وكيف تملا العرش المجيد كما كان يملؤه أبوها. وأن تكون العناية بشئون الدولة. صغيرها وجليلها، همها الوحيد الذي لا يصرفها عنه شيء.
لكنها لم تكد تكبر وتتولى الحكم، حتى كانت شديدة التبرم بالدولة وبأعمال الدولة، وبالحكم ما يفرضه عليها من أثقال وأعباء، ومن عناية بأمور تافهة: مسئمة مملة: وهي التي تريد أن تنصرف إلى لذات الجسد بالانغماس في الشهوات، وإلى لذات العقل بالتحدث إلى الفلاسفة، فكانت تتهرب من الاضطلاع بذلك العبء، البغيض وتفر منه ما استطاعت إلى الفرار سبيلا. . وذلك زمن مقاليد الأمور فيه كلها بيد الجالس على العرش، فكان الفرار داعيا إلى إهمال شئون الدولة ونقضا لمصلحة البلاد.
ومع ذلك فقد كانت كرستينا تحسب نفسها عظيمة، بالغة أقصى حدود العظمة، حتى لقد قالت وهي تناجي ربها: (اللهم لقد جعلتني من العظمة بحيث لو أحرزت ملك الأرض