ورأت من العظمة أن يحيط بها جيش عرمرم من أولئك الناس الذين يدعون النبلاء، وهم طائفة ممن لا غناء فيهم، يعيشون عيش الحشرات الطفيلية، بما تدره عليهم من مال لم يكدحوا لجمعه واكتسابه. وكان يلذ لها أن يحدقوا بها ليمطروها ما شاءت من رياء العبودية، وثناء التزلف. . وأعجبها منهم هذا كله، فجعلت تزيد في عددهم وتخلق منهم قبيلا بعد قبيل، حتى باتوا ضعف ما كانوا في عهد أبيها، وكان بدلا لهم أن يعيشوا عيشة البذخ والترف، فجعلت تمنحهم الأراضي والضياع بإسراف وتبذير منقطع النظير، حتى استنفذت ثروة الدولة في إشباع هذه الحشرات النهمة، وأسلمت بلادها إلى الإفلاس.
وكان من العظمة أن تشجع العلم والتعليم، وجنت البلاد من هذا بعض الخير، ولكنها غلت، فأرادت أن يكون بلاطها مأوى العظماء من رجال الفلسفة والعلم. فكانت تنفق من اجل هذا المأرب، إنفاقا مسرفا لكي يقال إنها حارسة العلم وصديقة العلماء، وأعجبها أن يقصدها السفراء من أقاصي الممالك، وأنيكيلوا لها المدح والاطراء، ولم تلبث أن بات لهؤلاء الغرباء من النفوذ عليها ما ليس لأحد من وزرائها وبني وطنها. وبينما هي تسمح لهؤلاء أن يستميلوها إلى المذهب الكاثولكي، ويخرجوها عن دين آبائها، إذا هي تنفر من مستشار دولة الأمين ووزيرها المحنك أكسل أكسنسترنا محبب إلى الناس، ولأن الشعب يرى فيه خادمه المخلص، المتفاني في خدمته.
كانت كرستينا بلا شك، من أولئك الملوك الذين لا يستطيعون أن يفهموا أن عظمتهم لا قيمة لها إلا إذا استمدوها من عظمة امتهم، وانهم لن يعلو لهم شأن إلا إذا علا شأن دولتهم. فما كان بمجديها أن تكون عظيمة وأمتها حقيرة، غنية وأمتها فقيرة. ذات صولة وقوة، وأمتها لا حول لها ولا قوة. فما لبثت أن أفنت موارد البلاد، واستنفدت خزائن دولة كانت تعد في طليعة دول ذلك الزمن. .
وأراد المخلصون من رجال الدولة أن تتزوج ملكتهم، لكي يضمنوا لعرش الدولة وريثا يجري في عروقه دم أسرة فازا، يرجون - ويلحون في الرجاء - أن تتخذ لها شريكا في حياتها. وكان حديث الزواج هذا أبغض الأشياء إليها، ولم يكن نفورها من الزواج عن تعفف، بل لأنها كانت ترى في الزواج أغلالا تكبح جماحها، وتثني من عنانها، وهي التي