رضوى من أعمال الحجاز؛ ثم نرى الأسطورة تتخذ بعد ذلك صبغتها السياسية وتدعم بالأسانيد الكلامية والشروحي التاريخية، ولكن مع اقترانها بصفة الخفاء دائما. وخلاصة الأسطورة (أنه لابد في آخر الزمان من ظهور رجل من آل بيت يؤيد الدين ويظهر العدل، ويتبعه المسلمون، ويعيد مجد الإسلام ودولته ويسمى بالمهدي). أما هذا الإمام الخفي فمن هو؟ هو من ولد علي بن أبي طالب؛ ولكن يختلف الشيعة في مساق الإمامة أصولا وفروعا؛ وليس من موضوعنا أن نتعرض لهذا الجدل؛ ولكننا نذكر فقط أن أشهر فرق الشيعة الإمامية، وهم الاثنا عشرية، يقولون إن الثاني عشر من أئمتهم، وهو محمد بن الحسن العسكري، هو المهدي، وإنه لم يمت؛ ولكنه اختفى وغاب عن الأنظار، ولا يزال مختفيا إلى آخر الزمان، ولكنه اختفى وغاب عن الأنظار، ولا يزال مختفيا إلى آخر الزمان، ثم يخرج فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا؛ وزاد بعض الدعاة على ذلك فحددوا لظهروا المهدي تواريخ معينة، وكلهم يستتر لتأييد مزاعمه وراء الرموز والإشارات الغامضة، مما يسبغ على دعوتهم دائما لون السرية والخفاء.
وكما كان الخفاء مبعث القداسة والخشوع قبل تحقيق الظفر السياسي، فكذلك كان الخفاء بعد تحقيق هذا الظفر مصدر القوة والنفوذ للدولة أو الأسرة التي تتشح بثور الدعوة أو الإمامة أو الرسالة، ولنا أسطع مثل على ذلك في الدولتين، الفاطمية والموحدية. بيد أن هنالك أمثلة محلية كثيرة للاعتصام بهذا الخفاء المروع، وما كان يترتب على هذا الاعتصام من النتائج المادية والمعنوية المدهشة؛ ويكفي أن تكون هذه الغمر الخفية مبعثا لأكثر من دعوة بالنبوة، بل مبعثا لدعوة الألوهية ذاتها، وأن تقوم عليها عقائد ومذاهب كان لها أثر قوي في سير العالم الإسلامي وما زالت تمثل في عصرنا.
- ٢ -
ويقدم لنا التاريخ الإسلامي أمثلة عملية مدهشة قوامها الخفاء المادي والروحي؛ ومن الصعب أن نستوعب هذه الأمثلة أو أن نحصيها جميعا في هذا المقام المحدود، ولكننا نقدم منها بعض أمثلة شهيرة.
ففي أواخر القرن الثالث من الهجرة ظهرت دعوة القرامطة مستظلة بالدعوة الشيعية والإسماعيلية وقوامها التبشير بالمهدي المنتظر؛ وظهر داعية القرامطة الأول الفرج بن