للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أين هذا مما وفق إليه المؤلف من ابتداع شخصية الأهوازية التي لا زمت الحجاج على المسرح من ضحي حياته إلى مغربها، وكانت مثار الحس فيه وباعثه على أن يظهر ألوانا متعددة.

وما احسبني كنت في حاجة في يوم من الأيام أن أقرر بديهية من بديهيات التأليف المسرحي، تلك أن الشخصية المسرحية يشترط فيها أن تكون متساوقة مطردة، ولكن ناقدا أحوجني إلى ذلك إذ شكا وأستنكر أن يكون الحجاج صخري القلب مشغولا بنفسه وأطمحها لا تلين له قناة إلى آخر المسرحية، ولو أنه استخذى للحب ولان للأهوازية وتنكر لطبيعة قلبه الصلد، كما يريد ناقدنا، لأنكرنا من المؤلف صورة شو هاء للحجاج لا تمثل شخصية الحجاج التاريخية، وكذلك الحال بالنسبة للأهوازية إذ صورها المؤلف مندفعة طائشة تلقي نفسها إلى التهلكة من أجل الحب، لا تعيش إلا له ولا تحي إلا به، فإن لم يبادلها الحجاج حبا بحب عاشت من أجل هذا الحب وقد انقلب في وهمها كرها، ولكنها لا تفطن إلى ما يعتمل في فؤادها الجياش من العواطف والأهواء.

فأين ناقدنا من هذا الغور السحيق من مكنونات القلب البشري، وهو يحاول أن يستبطنها ليدرك كنهها؟ إنه مشغول عن كل هذا بما ظنه الخروج على قواعد التأليف الصحيح من جعل شخصية الأهوازية ثائرة مهددة على الدوام إذ يقول (فموقف الأهوازية من الحجاج عندما سمعت أنه سيتزوج من عفراء، هو نفس موقفها منه فيما يختص بأم كلثوم، وكذلك فيما يختص بهند، فهي تثور ثم تهدد ثم تعود لتقف نفس الموقف) وهذا الذي يعده الناقد عيباً هو أسمى ما يصل إليه المؤلف المسرحي من تصوير الشخصية المتماسكة المستقيمة المطردة، فإذا أضفنا إلى ذلك أن المؤلف قد صورها من واقع الحياة كامرأة حائرة بين حبها الشديد وبين كبريائها فطوراً تنصاع لحبها وطوراً تنصاع لكبريائها لما ترددنا في الحكم بأن المؤلف قد بلغ غاية التوفيق في تصويره للأهوازية.

وما احسبني في حاجة بعد ذلك إلى بيان فساد رأي الناقد في الأهوازية إذ يقول (كان موقفاً سلبيا في كل موقف التحمت به) يعني الحجاج، وهو يعلم أنها لم تلاق الحجاج مصادفة بل احتالت للقائه وأنها استخفت لتعصي له أمراً، إذ أمرها بالذهاب إلى مكة (فعادت إليه متخفية في صحبة عبد الله بن جعفر في اللحظة التي كان يخطب فيها أم كلثوم لتفسد عليه

<<  <  ج:
ص:  >  >>