الروح الديني العميق الفطري وإقبال دائم على الله في جميع الظروف.
كان تأثيرها فيّ تأثير الروح في الروح بالسلوك والصراحة والصرامة في مواضع الجد، أما تأثير أبي فكان تأثير التوجيه الصامت والأدب الحي والقلم الجليل والوجه الوقور.
حين قرأت في أذنها بعد ما فاضت روحها ما حضرني من القرآن والدعاء. . . وحين ألصقت يدي بعد وفاتها بخديها الباردتين اللذين سرت فيهما برودة الموت في منتصف ليلة الوفاة كما كنت أفعل دائماً وهي في الحياة. . .
وحين نزلت قبرها وضرحتها فيه كما كانت الوصاة بجوار قبر أبي، وجلست بين القبرين. . .
وحين أمر بسريرها خالياً من جسدها الذي كان ملء نفسي وفكري. . .
وحين أقرأ مدونة محفوظات أمثالها وحكمها الكثيرة العجيبة التي كانت تستشهد بها كأحسن منطق في منطق العامية المصرية نقلا عن عمتها الحاجة (شركس) الصالحة التي لم تنجب وكان همها العبادة والتوجيه لشابات العائلة.
وحين أرى البقية القليلة من لداوتها وصديقاتها اللائى من طراز كاد يفنى. . .
بل حين أرى عجوزاً مثلها في أي مكان. . .
حين هذا كله شعرت وأشعر أنها خلفت لقلبي ذخيرة قيمة من الحزن الثمين الذين يقتات منه في أزمات القحط الروحي.