للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والحمد لله على الجهل في هذا الموضع! والويل لي حين أبلغ مبلغها من العمر بفكري وشعري!

إنها صورة الطبيعة وتلخيص أعمالها. وإن الطبيعة امرأة! تلد وتدور دورتها الأبدية ولكنها تتجدد! أما بنات حواء فذاهبات إلى غير رجعة في رحاب هذه الطبيعة التي نراها.

ولكن الإنسان المؤمن حينما يرفع بصره إلى الله الحي الدائم الحياة، القوى الدائم القوة ينسى فناءه وفناء أبويه، بل يرحب بذلك الفناء في سبيل الرجوع إلى مصدر الحياة والقرب منه والعيش معه حياة الدوام!

ما أروحك على القلوب أيتها الكلمة التي يتمثل فيها كل العجز الإنساني: إنا لله! وأنا إليه راجعون!

من وجهها عرفت الأزل، ومن وجهي عرفت هي الأبد! كانت صلتي الباقية بماضي في أصلاب آبائي، وظللت وفياً لعشها كبيضة عقيم أو كفرخ عاجز الجناحين).

هكذا كتبت عنها وكنت أستلمها وأستوحي وجودها. . . وهاهو ذا وجهها يطالعني بعد موتها مغمض العينين ينظر لي من فوق سرير الموت ومن أعماق ظلمات القبر، فأشعر لمفارقتها أن حياتي انشطرت أو أني كغصن غاب عنه جذعه الذي يربطه بالأرض ويمده من إمداد المجهول.

ما هو كفاء رحمة قلبك لي وقلبي لك من الألفاظ يا أماه! أي لفظ وأي فكر يترجم عن السر الذي بيني وبينك! إنه الأمومة والبنوة! إنه كل منابع الرحمة والبر والإخلاص. . . أإلى النسيان والفناء ذلك كله؟ كذبوا يا ذات الفداء والتضحية. . . لقد ورثتماني: أنت وأبي الحياة والإيمان فأديتما واجبكما كاملا غير منقوص:

وكنت مثالا للأمومة الفطرية المعقولة الملهمة التي لا تفسد ولا تدلل لعطف عكسي. . . ومثالا للعمل الدائب، والشركة الأمينة، والعشرة المنصفة والسهر الدائم على ما استخلفت عليه. . .

لا تأويل عندك يصرفك عن الواجب ويقعدك عنه مهما كانت المشقة فيه.

براءة فطرة وصدق وتصديق وإلهام نافذ لمواقف الخلق السليم. . .

ثقافة شعبية أمية من القرية والمدينة، فيها التجربة والحكمة والمثل، وتتوجها خلاصة من

<<  <  ج:
ص:  >  >>