طبخة ومزجه مزجة أحالته إلى عقار يذهب عن مرضى بني الإنسان بلعنة ذلك الداء الكريه ذي المكروب اللولبي، ذلك الداء القبيح الاسم الذي هو جزاء الخطيئة الكبرى. وكان لإرليش خيال غريب عجيب مقلوب، لا يتصل بالمألوف في هذه الأرض، ولا بالمعروف في العلم، فأعانه هذا الخيال فدار بصياد المكروب في طرائق البحث دورة جديدة، وطلع بهم وبعلم المكروب في صحراء المجهول طلعة جديدة كشفت لهم من فوق رابية عن وديان من الأرض جديدة، ولكنهم وآ أسفاه لم يدروا إلا القليل منهم ماذا يصنعون بالوديان الخصيبة الجديدة التي حلوها ولهذا السبب سنختتم هذه القصة بأرليش
وليس معنى هذا إن بحث المكروب انتهى وجاء ختامه، فأنا مؤمن، كإيماني بطلوع الشمس غداً، بأن أبحاث المكروب لم يجيء بعد ختامها، وبأن الغد كفيل بخلق قوم كإرليش يأتون من عبقر بمثل رصاصته التي أتى. ولعلهم يكونون كإرليش رجالاً برغم ابتكارهم مفاريح مماريح مهازير مفاكيه، فالأدوية الرائعة لا تستخرج من العمل الجد المتواصل والمعمل البديع وحدهما. . . أما اليوم فلا يوجد من صياد المكروب رجال إذا هم اقتنعوا بالذي يرونه ركبوا رؤوسهم في سبيله واقتحموا كل معارضة لبلوغ مقصدهم منه ولو خالف المألوف واصطدم بالشائع المعروف. فهكذا إرليش، ينظر في عينيك بوسعي عينيه محدقاً محدجاً يريد أن يقنعك بأن الاثنين تضاف إلى الاثنين فتجعل منها خمساً. وولد في سيلسليا في مارس عام ١٨٥٤ فلما شب أرسلوه إلى المدرسة الثانوية في مدينة برسلاو فسأله أستاذه أن يكتب مقالة إنشاء موضوعها: الحياة حلم. فكتب هذا الصبي اليهودي الذكي يقول: إن الحياة تعتمد على الأكسدة العادية. . . والأحلام مظاهر من مناشط المخ، ومناشط المخ ليست إلا أكسدة. . . إن الأحلام أشبه شيء بفسفرة مُخّيَّة!)
وبالطبع كان حظه من هذا الإنشاء رقم خسيس، ولكن هذا لم يعكر عليه صفوه، فقد كان مرن على هذه الأرقام الخسيسة عن أعماله المدرسية. ومن المدرسة الثانوية ذهب إلى مدرسة للطب، بل إلى ثلاث مدارس للطب أو أربع. هكذا كان إرليش وهكذا تعلم. وفي كل مدرسة ممتازة في الطب دخل من استراسبورج إلى فرايبورج إلى ليبزج، ارتأى فيه الأساتذة أنه طالب غير عادي وارتأوا فيه أنه طالب سيئ بالغ أقصى درجات السوء، وذلك لأنه أبى أن يحفظ ١٠٠٥٠ كلمة طويلة زعموا أنه لابد من حفظها لعلاج المرضى. كان