قلت:(جائز. . . وهل أنا أتكلم في الجائز وغير الجائز؟ جائز أيضاً أن تصح ساقي المهيضة، وتسلم؛ وجائز أن تطول قامتي وتعرض ألواحي، وأن اصبح مصارعاً ومن أبطال العلم في هذا الباب. . . ولكن تصور عقل هذه الفتاة المسكينة! وتصور موقفي أنا حيالها. . . أنا الذي ليس له طاقة على الحب ولا صبر لي على ما يغري به من الحماقات والسخافات. أقول لها مثلاً، وأنا أناشدها أن تثوب إلى رشدها: (يا ستي! يا حبيبتي! أين ذهب عقلك؟) فتترك السؤال. . . لا تسمعه في الحقيقة. . . وتصيح وتلوح بيديها وتقول:(حبيبتك!؟ هذه أول مرة أسمع فيها منك هذا اللفظ الجميل. . . أعده على سمعي. . . أرجو) فأدهش من سوء التأويل وأقول لها: (يا ستي إنما عنيت. . . لم أعن شيئا في الحقيقة. . . مثل قولي يا صديقتي لا أكثر) فتقطب وتقول (خيبت أملي! لماذا تأبى عليَّ حتى أن أسعد بلفظ؟) فأقول: (يا ستي والله ما أكره لك السعادة ولا أنا آباها عليك لو كان بيدي إسعادك؛ ولكني لا أستطيع أن أكذب عليك، وعلى نفسي. . . هذا الحب شيء لا قبل لي به) فتقول: (ولكني أريده) فأقول: (إذن التمسيه عند غيري. . . اطلبيه من دكان آخر) فتغالط نفسها وتقول: (أنت هكذا دائماً. . مكابر. . هذا أنت. . . بس أريد أن أعرف ماذا تخسر إذا اعترفت؟) فأقول: (وكيف أعترف بما لا أحس به؟) فتروح تحاورني وتداورني، وفي ظنها أني أغالطها وأكذب عليها، أو أن، بي كبراً يمنعني من الإقرار لها بحبها، وتمسح لي شعري. . . أعني الشعرات العشر الباقية في رأسي. . . وتربت على كتفي برقة فأضحك، فتدير إلي محياها الدقيق وعلى ثغرها الرقيق اللين ابتسامة سرور، وفي عينيها ومضة أمل، فأقول، وأنا أرد القهقهة التي أحس أني أوشك أن أنفجر بها:(أتراني لعبة؟) فتقول (لعبة؟ استغفر الله! لماذا تقول هذا؟ أنت عندي. . .) فأقاطعها وأقول (دعي هذا. . . فأني أعرف منزلتي التي لا تدانيها منزلة. ولكن أن تمسحي لي شعري؟ أين هذا الشعر الذي تمسحينه؟ سبع شعرات ونصف شعرة! ومع ذلك أقول لك الحق: أنا استحيي أن أراك تصنعين هذا. . . أحس - لا أدري لماذا؟ - أني ارتددت طفلا صغيرا تلاعبينه. . .) فتقاطعني هي وتقول (يسرني أن ألاعبك. . أن تكون لعبتي!) فأقول: (أما الملاعبة فأنا فيها خادمك المطيع، تعالي نلعب كما تشائين. . . ولكن أن تلعبي أنت بي أنا. . .؟ هذا