ذلك في عالم الأحياء والمحسوسات وهو بذاته في عالم الأمر والمعاني. فيجب أن نرعاه ونعرف له حقه ونؤدي له واجبه حتى لا نضل أو تلتوي بنا السبل أو يبطئ علينا نضج الثمرات المرجوة.
ومن الملحوظ في الحركات السياسية الكبيرة التي تمت في مراحل التاريخ، أن كل حركة عظيمة كان بجوارها مفكرون يفلسفونها ويضعون لها أسساً تنهض في أعماق الضمائر والعقول فتكون الحركة مدعمة بالإيمان والاستنارة.
فالبلشفية تقوم على فكرة وفلسفة وطدها كارل ماركس ولينين، والنازية كذلك استمدت من فلسفة (نيتشه) وكان بجوارها (روزنبرج)، والحركة الاشتراكية في إنجلترا يفلسفها الأستاذ (لاسكي).
وهكذا تقوم الحركات السياسية الكبيرة دائماً على واضعي الأسس الاجتماعية في أعماق الوجدان والفكر.
والجامعة العربية لها فلسفة أو يجب أن يكون لها فلسفة ملخصة تنير طريق العربي إلى غايته وتجعل إيمانه بقوميته وحركتها السياسية إيماناً بصيراً مستنيراً. حتى إذا خاب جيل في تحقيق الأهداف أتى الجيل الذي يليه فوجد الغاية صحيحة صالحة مركزة في قضايا واضحة تستحق العمل لها فيعمل لها بحرارة واندفاع ذاتي غير ملق بالا إلى الخيبة السابقة إلا بمقدار أخذ العظة منها.
والأسس الفكرية للعربية الحديثة تلخص في أننا (الأمة الوسط) بين أمم العالم جميعه من حيث المكان واللون والفكر.
فنحن في المكان الوسط بين الشرق والغرب والشمال والجنوب غير منازع ولوننا وسط بين الجميع. وقد أخذنا من بيض الشمال وصفر الشرق وسود الجنوب وحمر الغرب بحيث يأنس بنا الجميع ولا يجدون بيننا وبينهم ما يجدونه حينما يتلاقى الأبيض بالزنجي أو بالأصفر أو يتلاقى الأصفر بالزنجي أو بالأبيض وهكذا. ومادام في الأرض فلسفة سياسة ظالمة تقوم على الفروق اللونية والجنسية، فموضعنا يرشحنا أن نكون الحكم بين الجميع، لأننا نرضي الجميع إذ أننا خليط من الجميع.