للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تسبقه شهرته، واتصل فيها بكل مجتمع رفيع وشخصية بارزة؛ واتصل بأقطاب الكتابة والأدب، ولا سيما تورجنيف وجوتشاروف وتكراسوف، وتوثقت علائقه بتورجنيف مدى حين، ولكنها لم تلبث أن فترت لاختلافهما في كثير من الآراء والمبادئ. ذلك أنٍ تولستوي كان ثوري المبدأ والعقيدة، يحرر العبيد في ضيعته، ويغدق العطاء للفقراء؛ ولكنه كان في أعماق نفسه (انفراديا) وكان بعيدا عن الحركة الاشتراكية التي كانت تجرف روسيا يومئذ ويتزعمها جناح قوي من الكتاب والأدباء. هذا إلى أن تولستوي كان عبد الحقيقة يصورها في تفكيره وكتابته؛ بينما كان أولئك الكتاب يكتبون غيرها ما يعتقدون، ويفعلون غير ما يقولون. وقد كانت كتب تولستوي صورة صادقة لشخصه ومبادئه، وكل ما فيها مستمد من حياته ومن نفسه؛ وهذا ما يقرره تولستوي نفسه في بعض كتاباته إذ يقول: (إن الحقيقة هي بطلة مؤلفاتي، وهي دائما نفثه روحي وكل جوارحي)

وفي سنة ١٨٦٢ تزوج تولستوي من صوفيا بيرس؛ ولم يمض قليل على هذه الحياة الهادئة حتى كتب تولستوي أعظم كتبه قصة (الحرب والسلام) وظهرت لأول مرة سنة ١٨٦٩ ثم كتب قصته الخالدة (حنه كارنينا) وظهرت سنة ١٨٧٧؛ وفي هذين الكتابين يصل تولستوي إلى ذروة قوته وروعته. وفي القصة الأولى أعني (الحرب والسلام) يصف تولستوي حوادث الغزوة النابليونية لروسيا؛ ومما يلفت النظر أنه يصف فيها والدته في شخص الأميرة ماري. وقد رأينا أن تولستوي فقد والدته وهو في الثانية، ولكنه مع ذلك يؤكد لنا أنها تركت في ذهنه صورة قوية وأنه احتفظ في ذهنه الفتي بكثير من ذكرياتها وصورها. وأما قصة حنا كارنينا، وهي فيما يرى النقدّه أعظم كتب تولستوي، فهي القصة الخالدة لزواج نكد، وما يترتب على ذلك الزواج من المحن؛ وهي القصة الخالدة لزواج عادي وما يحيط به من العوامل والظروف. هي قصة فتاة تزوجت في سن العشرين رجلا يكبرها بعشرين عاما، وعاشت معه ردحا من الزمن أمينة مخلصة؛ ولكنها في الثلاثين اضطرمت بفورة من الهوى فأحبت ضابطا فتى جميلا واستسلمت إليه؛ ولما ارتاب زوجها في الأمر اعترفت له لأول وهلة؛ وأدرك الزوج بعد التفكير أنه يحمل تبعة هذه الجناية، لأنه جنى على امرأة شابة فتزوجها وهوليس أهلا لحبها، وكأنه اختلسها اختلاسا وارتكب بذلك جرما يعاقب عليه؛ وعلى ذلك فقد شعر أنه يستحق ما أصابه، وترك زوجته الفتية (حنه)

<<  <  ج:
ص:  >  >>