كانت القوة المعنوية في جانب، وكانت القوة المادية في آخر وكان من الحتم أن تتغلب القوة المعنوية على كل شيء عداها. . .
كان في هذه الفئة القليلة من المسلمين قوة معنوية، بعثها فيهم دينهم، وأججها في صدورهم نبيهم، فأتت أكلها كل حين بإذن ربهم، وظهرت بها معجزات الإسلام الخالدة على يد هؤلاء البواسل الأرواع حتى فتحت أرضاً، ونشرت دينا، وفرضت لغة على هؤلاء الأقوياء الظاهرين في الأرض، ثم بعثت الحضارة والمدنية والثقافة والعرفان في الشعوب جميعاً
إنه لخليق بالباحث أن يتبين هذه القوى المعنوية التي كانت تخفق بها قلوب المسلمين، والتي أتت بهذه المعجزات الباهرة الخالدة بعد قليل من السنين
لقد فتشت عنها، وبحثت عن مصادرها ومظاهرها، فرأيتها تتجلى فيما يأتي:
١ - الإيمان
آمن المسلمون بشريعة الإسلام؛ وآمنوا بأنهم على حق في عقائدهم وآرائهم وأعمالهم، والناس جميعاً على باطل، ومن حق هذه العقائد الحقة، والآراء الحقة، والأعمال الحقة، أن تعم للبشر وان يؤمن بها الناس جميعاً؛ وآمنوا بأنهم خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويقيمون الإنسانية السعيدة على أسس العدالة والحق والسلام. لقد آمنوا بأنهم مصلحو البشر، وهداة الكون، وأنهم إن مكن لهم في الأرض بعثوا فيها هدى ونوراً وعدلاً، وأنقذوها من يد الظلم والوحشية، وحرروها من استبداد الطغاة وقسوة القساة، وغطرسة المتزعمين والمتكبرين (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله). (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر)
وآمن المسلمون مع ذلك بأنهم منتصرون فائزون، لأنهم على حق، والحق لابد ظافر منصور، يستوي في درك ثمرة النصر الأموات والأحياء، فكل موقعة تقع، وكل حرب تشب نارها، هم فيها الرابحون، وأعداؤهم هم الخاسرون، فالمجاهدون من المسلمين إما أن يقتلوا أو يقتلوا، فمن قتلوا فلهم الفوز بالسعادة الآخرة الباقية، يستبشرون بنعمة من الله وفضل، وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين، ومن قتلوا فلهم النصر والبقاء في الارض، والعزة والدولة