للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لقد غرس هذا الإيمان المتشعب النواحي في نفوس المسلمين كتابهم الحكيم، ورسولهم الكريم. بعث فيهم الله روح القوة والرجولة، والإباء والبطولة، ووعدهم بالنصر المؤزر والفوز المبين (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلوْن إن كنتم مؤمنين). (أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون)، وزاد الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الروح فيهم اشتعالاً بقوله وفعله. أفلم تسع قريش إلى عمه برجالاتها ووجوهها يناشدونه البقيا على الرحم، والحفظ للجوار، وكف محمد عن تسفيه أحلامهم والسخرية بأصنامهم، فطلب أبو طالب من إبن أخيه أن يبقى عليه وعلى نفسه وألا يحمله ما لا يطيق من عداوة قومه، وخصومة أرومته، فثار هذا الداعي الكريم، ونطق هذا الروح العظيم: (يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته، حتى يظهره الله أو أهلك دونه). وكان هذا القول الفصل بين قريش وبين محمد الرسول الكريم. وضرب بهذا أروع مثل للأجيال السابقة واللاحقة

وقبس المسلمون هذه الروح، فتجلت في أسارير وجوههم، ورسمت على صفحات قلوبهم، وبدت في كلامهم، وفي أفعالهم، كأنها الشهاب الثاقب، أو الصبح المبين

فهذا رسول الله يستشير المسلمين في محاربة قريش وقد خرج للقائهم في غزوة بدر الكبرى، فيقول: (أشيروا عليّ أيها الناس). فينطق سعد بن معاذ: (والله لكأنك تريدنا يا رسول الله). فقال: (أجل). فقال: (يا رسول الله، لقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت، فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا، إنا لصبر في الحرب، صدق في اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر على بركة الله)

وهذا زيد بن الدثنة يرسله النبي صلى الله عليه وسلم في رهط من الصحابة مع وفد من العرب ليقرئوهم القرآن ويعلموهم شرائع الإسلام، فيغدر هؤلاء الأعراب في الطريق بزيد وأصحابه، يقتلون بعضاً ويأسرون آخرين؛ ثم يبيعون زيداً لقريش لتقتله بدل من قتل رجالها بيد المسلمين؛ ويقول له أبو سفيان حين قدم ليقتل: أنشدك الله يا زيد، أتحب أن محمداً عندنا الآن في مكانك تضرب عنقه وأنك في أهلك؟ فيجيبه زيد: والله ما أحب أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>