محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه نصيبه شوكة تؤذيه وأني جالس في أهلي
هؤلاء هم المسلمون، آمنوا فلم يقف في طريقهم شيء في الأرض، وساروا كالسيل العرم لا ترده سدود ولا عقبات، فتنوا في دينهم وعذبوا ونكل بهم وشردوا في الأرض وأخرجوا من ديارهم وأموالهم، فما وهنوا ولا استكانوا ولا ذلوا ولا أخلدوا إلى الأرض، بل صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا
٢ - الاتحاد والألفة
وترى القوة المعنوية في اتحاد المسلمين الأولين وتوادهم، كما رأيتها في إيمانهم ويقينهم، فقد اتحدت قلوبهم، وتحابت نفوسهم، وصاروا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، وأصبح المسلمون جميعا جسما واحدا، سرت فيه روح واحدة قوية، فكان يشعر بشعور واحد، ويفكر بفكر واحد، إذا اشتكى عضو منه تألم له سائر الأعضاء
وقد بلغ من ذلك الاتحاد المتين والمحبة الصادقة أن أخي رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار حين نزل المدينة ليذهب عن المهاجرين وحشة الغربة، ويؤنسهم من مفارقة الأهل والوطن، ويشد أزر بعضهم ببعض، فكان الأنصاري يقسم ماله بينهم وبين المهاجر، ويؤثره على نفسه ولو كان به خصاصة
وقد ضرب المسلمون في هذا السبيل أبلغ الأمثال للأمم التي تصبو إلى المجد والسؤدد، فكان عطف بعضهم على بعض، ومواساة الغني للفقير، والبرئ للمريض، وتوقير الصغير للكبير، وحنان الكبير على الصغير، كان كل ذلك مضرب الأمثال في مشارق الأرض ومغاربها، ولا يزال ذكراً جميلاً لهؤلاء الأمجاد الأبطال، والأجواد السروات الغطاريف
أين نحن من هؤلاء؟ وأين الأرض من السماء؟ لقد خلف من بعدهم خلف أضاعوا إيمانهم، وبددوا اتحادهم وألفتهم، فتفرقوا شيعا، وتمزقوا بددا، فضعفوا عن كثرة، وذلوا بعد هذه العزة الرفيعة المنيعة
فإذا شاء المسلمون أن يعود لهم مجدهم الباذخ وعزهم التليد، فليبحثوا عن إيمانهم الذي فقدوه، وعن اتحادهم الذي بددوه، وعن ألفتهم التي أضلوها، وليكملوا أنفسهم بهذا تعد الذلة عزة، ويصير الضعف قوة، وترجع إليهم العظمة الدائرة، والسؤدد الدارس
ليؤمن رجال الدين أنفسهم كإيمان السالفين، إيمان قوة وعزم، لا إيمان ضعف وذلة؛ فمجرد