التصديق لا ينقل قدما ولا يحرك ساكنا. إنما الإيمان هذه الحركة المتقدة، والنار الملتهبة، والحمية للحق، والمحبة للبشر، والإخلاص لله، والغيرة أن تنتهك حرماته، وتستباح محارمه، وتعصى أوامره؛ إنما هو العمل على أن يأخذوا بأيدي الناس من الظلام الدامس إلى النور المبين. . . ومتى عاد هذا الإيمان إلى أهل الدين أنفسهم أعادوه إلى الناس جميعا
. . . وإذا أردنا الألفة والمحبة - لنستعيد الماضي المجيد، ونؤسس المستقبل الجديد، على عبر اليوم وعظات الأمس - فلننظر بماذا ألف الإسلام بين قلوب أصحابه، وبماذا غرس فيها المحبة والإخاء؛ لقد جمع الإسلام بين قلوب المسلمين بنزع أسباب الفرقة منهم. كان العرب قبائل متعددة كل قبيلة وحدة يرأسها، يتعصب المرء لقبيلته، وتعادي كل قبيلة الأخرى، فكان بأسهم بينهم شديدا، وحطموا أنفسهم بأيديهم، ووأدوا سؤددهم بلجاجهم في الخصومة والفرقة، وأضعف بعضهم بعضا فضعف الجميع. ثم جاء الإسلام فوسع أفقهم الضيق، وبعد أن كان المرء يرى نفسه فرداً من قبيلة، أصبح يرى إنه فرد من أمة، ورأى الجميع أنهم أعضاء أسرة أوسع، هي أسرة الإسلام؛ وخاف الإسلام أن يعودوا إلى ما كانوا عليه أشلاء ممزقة وقبائل متفرقة، فقسا أعظم القسوة على من يعيد روح التعصب إلى القبيلة جذعة، وعد هذا ذنباً خطيراً وإثماً كبيراً
فلنتبع المنهج الذي ألف به الإسلام بين المسلمين، ولنطبق سياسته الحكيمة الرشيدة من جديد، فسترون المعجزة تتجدد، والرجاء يتحقق، والحياة تبسم لنا، والمجد يصافحنا بعد عبوسها وجفائه
لست خيالياً أسعى إلى توحيد المسلمين جميعا قبل اتحاد الأمة الواحدة منهم، فأطلب الكثير وقد عجزت عن القليل، وأطلب للفرع مضيعاً الأصل
كل أمة من الأمم الإسلامية قد قطعّت أحزاباً، وفرقت شيعاً، ففي مصر لا يتحد المصري، كل يرى نفسه فرداً من حزبه، قبل أن يرى إنه فرد من أمته، وفي الأمم الشرقية الشقيقة كما في مصر من الفرقة والانقسام.
علينا أن نداوي هذا الانقسام الداخلي أولاً، فإذا أحرزناه سعينا إلى الاتحاد الخارجي
لقد كان من شرور الحزبية ما سمعتم أولاها وشاهدتم أخراها، حرب وانتقام، وكراهية وانقسام، وإغداق على الشيع والأنصار بالمناسب والألقاب ولو كانوا غير أهل، وحرمان