للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

دون التواء أو مواربة. . فهي المدرسة الأولى لشحذ أذهان أبنائها، وتدرجهم إلى صفوف الكمال. . .

ويشترك الشعر الشعبي مع شعر القريض في قوة التعبير عن الخلجات والأحاسيس، كما يشاركه في الأوزان والقوافي والأغراض، وبكثرة عدد فنونه ومصطلحاته التي وضعها له أهل هذا الفن. . ومن بين مشاهير الفضلاء الذين نظموا في الشعر الشعبي: هو الأمام ابن الجوزي، وشمس الدين الكوفي، وأبو بكر ابن قزمان وغيرهم، كما نقل ذل كصاحب كتاب (ميزان الذهب) وابن خلدون في (مقدمته).

ولم يقتصر نظم الشعر الشعبي على الشعراء القدماء بل تعداه إلى مشاهر الشعراء المحدثين، كأمير الشعراء أحمد شوقي بك، وشاعر الشباب أحمد رامي - شيطان أم كلثوم! ولهما في ذلك قطع غنائية خالدة ملأت سمع الزمان رقة وعذوبة، وبذلك أضافا إلى الأدب العربي ثروة رائعة، كانت ولا تزال موضع تقدير وإعجاب من أبناء الضاد. . .

وفي هذا الفصل استعراض أمام القارئ صورة جميلة، أوشك الزمن بمروره أن يطمس معالمها ويذهب بروائها وآثارها، هذه الصورة المحببة إلى نفوس طائفة كبيرة من أدباء هذه العصر: تلك هي صورة حياة الشاعر الشعبي محمد بن إسماعيل الحلي، المعروف بابن الخلفة!

ولد الشاعر في مدينة الحلة عام ١٢٤٧ هـ في محلة (الجامعين) وترعرع في مغانيها بين ظلال النخيل وشواطئ الأنهار، وشب في أحضان الطبيعة الساحرة، بين أهل العلم والأدب أمثال السيد حيدر بن السيد سليمان الحلي، والسيد صالح بن السيد مهدي المعروف بـ (الكواز)، وغيرهم مما لا يستطاع حصر عددهم. . . فظهرت شاعريته منذ نعومة أظفاره، وراح يرسل الأنغام عبر الفضاء الرحيب، مجنحات الرفيف الحلو والرنين المطرب. . . إلا أن البعض من شعره - كما سترى - تغلب عليه الألوان البيانية المتكلفة، ويشيع فيه الغلو والإغراق في الزخارف البديعية. .

كان - رحمه الله - ذكي القلب بارع النكتة؛ خفيف الروح، وفيا أبيا لم يتكسب بشعره، ولم يمتدح أحدا لا يستحق الإطراء والثناء، بل كان يتكسب من مهنته الخياطة التي كان يزاولها، إذ تدر عليه ما يسد رمقه وبقيه العوز والفاقة: لذا نراه قد جال جولات صادقة في

<<  <  ج:
ص:  >  >>