الأحيان إلى برهان العقل كيما يزداد ثباتاً ورسوخاً؛ ولذلك كان من أهم الأبواب في الفلسفة الإسلامية باب التدليل على صحة ما في الدين من أقوال وقضايا ووعود؛ وكان موضوع (الموت) من أهم القضايا التي تناولها ذلك الباب.
ويعرض مسكويه لهذه المسألة في المقالة السابعة من كتابه الخالد (تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق). وهي مقالة (رد الصحة على النفس ومعالجة أمراضها) وكان قد وضع في المقالات السابقة دستوره الخلقي الإيجابي الذي أثبت فيه روحانية النفس البشرية وخلودها، وحدد الفضائل وأضدادها، وبين السعادة ودرجاتها وكيفية الحصول عليها ووسائل حفظ الصحة على النفس السليمة: فرأى أن يختم الموضوع بمعالجة النفس المريضة ودفع أهم ما تتعرض له في حياتها من مخاوف وأحزان.
لذلك نراه يقول بعد فراغه من معالجة (الخوف) وأسبابه:
(فهذه جملة الكلام على الخوف المطلق، ولما كان أعظم ما يلحق الإنسان منه هو خوف الموت، وكان هذا الخوف عاماً وهو مع عمومه أشد وأبلغ من جميع المخاوف، وجب أن نبدأ بالكلام فيه فنقول:
(إن الخوف من الموت ليس يعرض إلا لمن يدري ما الموت على الحقيقة، أولاً يعرف إلى أين تصير نفسه، أو لأنه يظن أن بدنه إذا انحل وبطل تركيبه فقد انحلت ذاته وبطلت نفسه بطلان عدم ودثور، وأن العالم سيبقى موجوداً وليس هو بموجود فيه كما يظنه من يجهل بقاء النفس وكيفية المعاد، أو لأنه يظن أن للموت ألماً عظيماً غير ألم الأمراض التي ربما تقدمته وأدت إليه وكانت سبب حلوله، أو لأنه يعتقد عقوبه تحل به بعد الموت، أو لأنه متحير لا يدري على أي شيء يقدم بعد الموت، أو لأنه يأسف على ما يخلفه من المال والقنيات؛ وهذه كلها ظنون باطلة لا حقيقة لها.
(أما من جهل الموت ولم يدر ما هو على الحقيقة فإنا نبين له أن الموت ليس بشيء أكثر من ترك النفس استعمال آلاتها وهي الأعضاء التي يسمى مجموعها بدناً كما يترك الصانع استعمال آلاته وأن النفس جوهر غير جسماني وليست عرضاً، وأنها غير قابلة للفساد،. . . فإذا فارق - (هذا الجوهر) - البدن كما قلنا، وعلى الشريطة التي شرطنا، بقي البقاء الذي يخصه، نقى من كدر الطبيعة، وسعد السعادة التامة، ولا سبيل إلى فنائه وعدمه، فإن