للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الجوهر لا يفنى من حيث هو جوهر، ولا تبطل ذاته، وإنما تبطل الأعراض والنسب والإضافات التي بينه وبين الأجسام بأضدادها. فأما الجوهر فلا ضد له. وكل شيء يفسد فإنما فساده من ضده. . . وإن أنت تأملت الجوهر الجسماني الذي هو أحسن من ذلك الجوهر الكريم، واستقريت حاله، وجدته غير فان ولا متلاش من حيث هو جوهر، وإنما يستحيل بعضه إلى بعض،. . . هذا في الجوهر الجسماني القابل للاستحالة والتغيير، فأما الجوهر الروحاني الذي لا يقبل الاستحالة ولا التغير في ذاته. . . فكيف يتوهم فيه العدم والتلاشي؟؟.

(وأما من يخاف الموت لأنه لا يعلم إلى أين تصير نفسه، أو لأنه يظن أن بدنه إذا انحل وبطل تركيبه فقد انحلت ذاته وبطلت نفسه، وجهل بقاء النفس، وكيفية المعاد، فليس يخاف الموت على الحقيقة وإنما يجهل ما ينبغي أن يعلمه، فالجهل إذا هو المخوف، إذ هو سبب الخوف، وهذا الجهل هو الذي حمل الحكماء على طلب العلم والتعب به. . . فاستحقروا جميع ما يستعظمه الجمهور من المال والثروة واللذات الحسية. . . واقتصروا منها على المقدار الضروري في الحياة وتسلوا عن فضول العيش. . . (. . . على أن من خاف الموت الطبيعي للإنسان فقد خاف ما ينبغي أن يرجوه، ذلك أن هذا الموت هو تمام حد الإنسان لأنه حي ناطق ميت، فالموت تمامه وكماله، وبه يصير إلى أفقه الأعلى، ومن علم أن كل شيء هو مركب من حده، وحده مركب من جنسه وفصوله، وأن جنس الإنسان هو الحي، وفصلاه الناطق والمائت، علم أنه سينحل إلى جنسه وفصوله لأن كل مركب لا محالة منحل إلى ما تركب منه، فمن أجهل ممن يخاف تمام ذاته، ومن أسوأ حالاً ممن يظن أن فناءه بحياته ونقصانه بتمامه؟. وذلك أن الناقص إذا خاف أن يتم فقد دل من نفسه على غاية الجهل، فإذا الواجب على العاقل أن يستوحش من النقصان، ويأنس بالتمام، ويطلب كل ما يتممه ويكمله، ويشرفه، ويعلي منزلته، ويخلي رباطه من الوجه الذي يأمن به الوقوع في الأسر، لا من الوجه الذي يشد وثاقه ويزيده تركيباً وتعقيداً. . .

(وأما من ظن أن للموت ألماً عظيماً غير ألم الأمراض التي ربما اتفق أن تتقدم الموت وتؤدي إليه، فعلاجه أن نبين له أن هذا ظن كاذب لأن الألم إنما يكون للحي والحي هو القابل لأثر النفس، وأما الجسم الذي ليس فيه أثر النفس فإنه لا يألم ولا يحس. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>