أحسب أنك استرحت، فإذا النار تسري في أحشائك، وإذا المعارك في أسواق دمشق. . . حول صناديق الانتخاب، الذي أراده الأقوياء صورياً وشكلياً، وأباه الشعب إلا انتخاباً حقيقياً، فلما لم يكن ما يريد الشعب حطم الصناديق، وهدم قاعات الانتخاب وانطلق ثائراً مرعداً مبرقاً، يهزأ بالحديد ويفتح صدره للبارود. . . وظفر الشعب، وكيف لا يظفر وقد امتحن مرتين. . .
فقلنا: قد استراح ولكنه لم يسترح وإنما دعي إلى الامتحان العالي، إلى النضال الصامت المرعب، فثبت وناضل، ولبثت دمشق خمسين يوماً كاملة، وهي مضربة ليس فيها حانوت خباز أو بقال، وليس فيها قهوة مفتوحة، ووقعت المعارك في الأسواق وعلى أبواب المسجد الأموي، فأقبل النساء بصدورهن على الرصاص، وهجم الأطفال على الدبابات، وعزمت دمشق عزماً ثابتاً على الموت أو الظفر، وعرف العدو أنها لن تُفل عزيمتها أبداً، ولن تلين قناتها فلانت قناته ودعاها إلى الصلح أو التحالف. . .
وهتفنا هذه المرة من أعماق القلوب: لقد استراحت (بلادنا العزيزة). وعادت أيام فيصل مرة ثانية، ودقت طبول البشائر وأديرت كؤوس الفرح، ورجعت الأعراس. . .
ولكن الأعراس لم تتم. . . لم تتم يا زمان الشؤم. . .!
هذا صوت النذير العريان، وهذه ألسن النيران، وهذا صوت البركان، فماذا يحمل إلينا الغد يا زمان، أي مصيبة جديدة يأتينا بها؟ أكتب علينا ألا نستريح ولا نهدأ أبداً؟
لا بأس يا زمن الشؤم، إننا نرحب بالمصائب فسقها إلينا، إننا بنو المجد والحرية والحياة، فلا أمتعنا الله بالحياة إن لم ننتزعها من بين فكي الموت انتزاعاً. . .
وستحيا أنت يا (بلدي الحبيب) ماجداً حراً ولو متنا نحن ماجدين أحرارا!