للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من معالمها وأحوالها، ووصلت إلى مكة بزاد غير قليل من المعرفة العملية بالحجاز.

هذه جبال مكة

وهذا جبل حراء

بلغناه بعد ساعة ونصف ساعة من السير المعتدل في السيارة، ومررنا إليه بمناظر كثيرة نرى أمثالها في بلادنا، ولاسيما بلدي الذي نشأت فيه، وأعني به أسوان: جبال وبطاح ومراع يتخللها العشب في الأودية والسفوح، وبعض الجبال يليح لنا بألوان المعادن التي يحتويها، وبعض البطاح ينم على مجاري الماء في باطنه القريب

كل ذلك مألوف نرى أمثاله حيث نشأنا على مقربة من صحراء أسوان، أما الجديد كل الجدة على النظر وعلى النفس فهو غار حراء

هو قمة مرتفعة في جبل، كأنما بنيت بناء على شكل القبة المستطيلة إلى الأعلى، ولكنها عسيرة المرتقى لا يبلغها المصعد فيها إلا من شعاب وراء شعاب

أخبرني من صعدوه أنهم كانوا يعانون شديد العناء من وعورة مرتقاه، وأن القليل من الناس يصمد في صعوده إلى نهايته العليا، حيث كان الرسول عليه السلام يتنسك ويبتهل إلى الله

والحق أن الرؤية غير السماع

والحق أن ما يلمحه الناظر في نظرة خاطفة قد يعي الكاتب بوصفه في الصحف والأسفار

والحق أننا قرأنا ما قرأنا عن الجبل وعن الغار، ثم نظرنا إليهما، فعلمنا أن القراءة قد تركت الكثير من فراغ النفس لتملأه هذه النظرة العابرة في الطريق

مررنا به عابرين كما كان سكان البلاد يمرون به غادين رائحين في غفلة عن ذلك الرجل المفرد الذي يأوي إليه ويسكن إلى غاره.

كانوا في غفلة عن ذلك الرجل المتوحد في سبيل التوحيد، كما كان العالم كله في مثل تلك الغفلة وفي مثل تلك الظلمات

ولكنها كانت ساعات يرتبط بها تاريخ أحقاب ودهور، فلما انقضت مدتها لم يبق في الأرض المعمورة غافل عن ضيف ذلك الغار، أو جاهل بآثار تلك الساعات التي كان يقضيها فيه بالليل والنهار

وحسبك نظرة واحدة إلى الجبل ومرتقاه لتحيط بعض الإحاطة بتلك النوازع المرهوبة التي

<<  <  ج:
ص:  >  >>