كانت تنهض بالرسول في صباه إلى ذروة تلك القمة مرات بعد مرات وأياماً بعد أيام
كل مرة من تلك المرات تترجم لنا عن قوة تلك البواعث المحتدمة في نفسه الشريفة، وترينا كيف بلغت هذه البواعث المحتدمة أن تدفع بالعالم كله في طريق غير طريقه، وإلى غاية لم تكن له من قبل في حساب، فلولا لاعج من الشوق الإلهي ينهض بالروح والجسد نهضة لا تصبر عليها طبيعة البشر لما توالت تلك المصاعد ولا تعاقب ذلك العكوف
إن اللواعج التي حملت الرسول إلى مرتقى الغار هي السر الروحاني الذي استجاش العالم كله بعد ذلك في حركة دافقة تقتحم السدود وتخترق الأسوار والحدود
وكل أولئك كان في نشأته الأولى خاطراً في قلب الرجل وحيد يتفرد في سبيل التوحيد
وكل ذلك السيل الجارف إنما تجمع قطرات قطرات عند هذه القمة العالية
كل ذلك كان في هذا المكان
وعبرنا خاشعين مطرقين، وسكتنا لأن مهبط الوحي هنالك قد ألهمنا السكوت
مكان آخر عند الكعبة كان له في قلوبنا مثل هذا الخشوع ومثل هذا الرجوع مع الزمن إلى أيام الرسالة وأيام الجهاد
ذلك هو موقف الدعاء الذي كان الرسول عليه السلام يختار الوقوف فيه كلما طاف بالكعبة ودعى إلى الله.
أنت هنا لا ريب في مقام قام فيه ذلك الرسول الكريم، ذلك السر السرمدي الذي تتعلق به مقادير التاريخ ومصائر الأمم وضمائر بني الإنسان، ذلك الإنسان الذي يقترن اسمه في صلوات الألوف بعد الألوف باسم خالق الكون العظيم
أنت هنا تقف حيث وقف وتدعو حيث دعا وتنظر حيث نظر وتحوم بنفسك حيث حام في اليقظة لا في المنام
قيل لنا: هنا يستجاب الدعاء
قلنا نعم: هنا أخلق مكان أن يستجاب فيه دعاء، وألهم الله كلا من الواقفين معنا أن يدعو دعاءه وأن يستجمع في الدنيا والآخرة رجاءه، وساق إلى لساني هذه الدعوة فدعوت: اللهم ناولني ما أريد لي وللناس، واجعل الخير كل الخير فيما أريد لي وللناس وما بي منحاجة في الحياة إذا استجيب هذا الدعاء