منظر ثالث أخذني بجماله في جوار البيت الحرام، وهو منظر الحمام الآمن الوادع في ذلك المقام
لا يخشى ولا يفزع، بل يظل طوال نهاره في طواف على الأرض وطواف على الهواء
وأعجب ما سمعت ورأيت أنه يطوف حول الكعبة ولا يعلو عليها فرادي ولا جماعات
وقد سمعت بهذه الخاصة في حمام البيت قبل أن أراه، فلما رأيته في طواف العمرة وطواف الوداع تحريت أن أتعقبه في كل مذهب من مذاهب مطاره، فإذا هو كما سمعت يطوف ولا يتعدى المطاف إلى العبور
أدب الناس في هذا المقام المهيب نعرف سره ونعرف مصدر الوحي منه إلى القلوب الآدمية
أما أدب الطير في هذا المقام فسره عند الله
وأمن الحمام يذكرني بأمن السائلين في جوار الكعبة وجوار المسجد الحرام
إنهم ليتدفعون حول الزائرين ولا يتجملون كما يتجمل الطير فيقطع بعضهم رزق بعض، ولا يدعون لمن يريد أن يعطى سبيل العطاء
وهم في أمان لا يهانون ولا يصيبهم الأذى من الشرطة في جوار البيت الذي يأمن فيه الخائفون
وحسن هذا اليم الله
حسن أن يأمن المساكين كل سطوة في حرم الأمان، وأحسن منه أن يجيئهم الوازع من القلوب والعقول لا من العصي والسياط
فإن كان في تهافت السائلين على صغائر الدنيا غضاضة، فإن في هذا الأمان لقداسة البيت العتيق، وإنه لمن القداسة أن يتعلم الإنسان كيف يجيب من يسألونه، وهو يدعو الله ويرجو أن يستجاب.