أستقرض اقرض، وإن استعار أعير، الخ) فبأي هذا يرتاب أصحابك؟ يقولون: ما أهون الأخلاق إن كان قصاراها هذا النجاح الحقير ويقولون إن الذين ضربتهم مثلاً من الأخيار لن يستطيعوا أن يكونوا يوماً من رجال المال والأعمال كفلان وفلان - وأنا يا صديقي ما خصصت بقولي ضرباً من النجاح دون ضرب. ولم يكن ذكري التاجر والصانع والمزارع إلا مثلاً و (إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما، بعوضة فما فوقها) ولا أتم الآية إشفاقاً على أصحابك أني أقولها كلمة عامة شاملة: الخلق الفاضل، في اغلب الأحوال، سبيل إلى النجاح في كل طرائق الحياة؛ إن اخفق حينا نجح أحياناً، وإن أكدى مرة أورى مرارا. فالحاكم الخير، والرئيس البر، والقائد الصالح، والمؤلف الصادق، والأديب النزيه، والصانع والتاجر والزارع، بل الموظف، كل أولئك اقرب إلى النجح واظفر بالطلبة في اكثر الأحوال من أمثالهم من الأشرار، بعد أن يتخذوا للمقاصد سبلها، ويعدوا لكل أمر عدته. فان قصروا في الأهبة وتوانوا في اتخاذ العدة فماذا يجديهم الخلق وحده؟ إن بعض الأخيار تجنبوا المعارك، وأشفقوا من المهالك، وضيعوا الحزم، فلما أوفت بهم الأعمال على نتائجها التبس الأمر على كثير من الناس فحسبوا إخفاقهم بما استمسكوا بالحق والخلق الطيب، وخالوا نجاح أضدادهم بما ركبوا إلى غاياتهم مراكب الباطل والرذيلة. فقل لهؤلاء: أعيدوا النظر واحسنوا التفكير، ولا تقصروا النجاح على المال فيجور بكم المنطق؛ فهناك الكرامة والجاه والرياسة والزعامة، وهناك الطاعة والمودة. وانظروا إلى الزعماء الذين يسوسون الأمم أهم من أصحاب المال؟
وقلت في مقالي السابق: إن للأخيار إلى مقاصدهم سبيلاً واحدة، وللأشرار سبلاً شتى، ولكن هذه السبيل الواحدة أحرى بان تؤدي إلى الغاية، وتوفي على المطلوب. فقلت إن أصحابك يرون في قالتي هذه نزوعاً إلى رأي محمود. ثم قلت:(ومادام جوهر الرأي واحداً فالسبيل القاصدة أن نطب لهذه الحال بما يوائم بين طموح الناس وكرامة الأخلاق وسلامة المجتمع) ثم قلت انه لا معدى عن إحدى وسيلتين: أن تحمل الناس بالدين والسلطان على سبيل الحق الواحدة وذلك (خيال نبيل لا يقع في الإمكان)، وأما أن نعيد النظر في قانون الأخلاق، وهذا (على ما يرون مظنة التوفيق في الإصلاح الجديد)
وجوابي انه ليس في كلامي نزوع إلى رأى محمود إلا أن تقطع المقدمات بعضها عن