بعض، ويفصل بين أول الحجة وآخرها. وإما الدعوة إلى إعادة النظر في الأخلاق فأنا لم اعد في مقالي جملة الأمر إلى تفصيله. لم أجادل عن خلق بعينه، ولم اقل أن خلقا ما صالح لهذا الزمن أو غير صالح، ولكني قلت إن الأخلاق الفاضلة التي تتفق عليها أمة أو أمم لا تكون سبلا إلى الخيبة والحرمان. وإن أردت أن نعيد النظر في الأخلاق فما أنا بمنكر أن الأخلاق تقبل بعض التغير، ولكني لا أخال إعادة النظر ستغير تغيراً ذا بال فيما سارت عليه الأمم منذ هداها الوجدان والعقل إلى سبل الخير؛ ولن تحلل هذه الإعادة رذائل كالكذب والسرقة والتزوير والظلم، أو تحرم فضائل كالصدق والأمانة والعدل. ومهما تكن النتيجة فالأخلاق القديمة أو الجديدة لا تكون قرينة الخيبة والشقاء.
وقد ذكرت أيها الأخ الكريم أخلاقاً تجعلها مثلا لما تريد تغيره. ذكرت التواضع والقناعة والزهد والمداراة والتوكل، وهذه أمور يختلف فيها النظر وليست من قواعد الأخلاق. فقل فيها ما يهديك إليه النظر الصائب. ورأيي أن التواضع محمود ما لم يكن ذلة، والقناعة حميدة بقدر ما تحول بين الإنسان وبين الشره والاستكلاب. فان كانت ضعفاً في الهمة وعجزاً عن الإدراك فهي رذيلة. وكذلك الزهد. وأما التوكل فان يكن استكانة للحادثات، وخنوعاً لكل ما هو آت، فلا يرضاه إنسان؛ وان كان ثقة بالنفس وانطلاقا في سبل الحياة لا ترده دون غايته المشاق والأهوال فما أحوج الناس إليه.
يا أخي: قد أساء العجز والذل تأويل هذه الأمور. أنت تعرف أن المثل الأعلى للرجل المسلم أن يكون طماحاً إلى ابعد غايته، واثقاً بنفسه إلى غير نهاية، حراً لا يقر بعبودية، أبياً لا يقيم على دنية؛ يرى نفسه قائماً في هذا العالم بالقسط قد وكل الله إليه تصريف الأمور وتقسيم الأرزاق، والهيمنة على الأخلاق. وأين هذه مما فهمه الناس من التواضع والتوكل. الخ
وأما الربا فلا يتسع المقام للكلام فيه. وحسبك هذه الثورات الثائرة حوله، والمعارك الهائجة فيه بين البلشفية والرأسمالية. وأما قياس الأخلاق بالنفع والضر فقد ذهب إليه بعض علماء الأخلاق، ولكن مذهباً ينتهي إلى منفعة الجماعة وضررها لا منفعة الفرد وضرره. ولن تقوم لأمة قائمة أن جعلت مقياس أخلاقها نزوات كل إنسان ونزغات كل فرد.
وبعد فيا صديقي ارني حدت عن الموضوع الأول استطراداً معك، فارجع إلى محمود احمده