للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

آراء بعض كتاب العصر، فهل ينتظر من ذلك النفر أن يفهموا ما يكتب عن امرئ القيس، ذلك الغواص المنقب في حدود الطبيعة عن أبدع الصور والمعاني

خير لأولئك أن يثبتوا أولاً أن لهم ذوقا أدبيا أو إدراكا أدبيا قبل أن يتعرضوا لنقد الكتب التي لم تكتب لأمثالهم فلسنا من تجار الأدب الرخيص، ورحم الله الزمن الذي كان يقف فيه كل عند حده، ورحم الله امرأ عرف قدر نفسه

وإني لأسمح لنفسي وأستسمح (الرسالة) في نشر قطعة من كتابي ليقرأها من لم يقرأ الشوامخ، ويحكموا عن بينة:

(وليس لأحد من المتقدمين والمتأخرين تحليقاته في أفق الطبيعة الواسع، وتلك النظرات المترامية بين حباب الماء وكواكب الظلماء. وله في لمعان البرق واختلاجه في السماء آيات لا هي من الوصف الحسي، ولا هي من الوصف الخيالي، وإنما هي تصوير فقط، هي وحي شاعر ملهم عاش وجرب وتأمل في الوجوه فرأى بواسع فطنته وقوة ملاحظته ذلك السبب الدقيق الذي يصل بين اختلاجات النفس البشرية في أبعد أغوارها، وبين كل حركة وسكنة ترتسم على وجوه الرجال وأيديهم. . . ثم أنشأ بين هذه الاختلاجات واختلاجات الطبيعة خيطا من الخيال وصل بينهما وجعل منهما وحدة كبرى، قال:

أصاح ترى برقاً أريك وميضه ... كلمع اليدين في حبي مكلل

وقال:

أعني على براق أراه وميض ... يضيء حبياً في شماريخ بيض

ويهدأ تارات سناه وتارة ... ينوء كتعتاب الكسير المهيض

وتخرج منه لامعات كأنها ... أكف تلقى الفوز عند المفيض

لمح الشاعر بحسه المرهف في وميض البرق وتبوجه لمعان أكف المقامر الفائز أو الذي يتناول الظفر بين المقامرين. فوفق بين الحقيقة والخيال، وأبدع أيما إبداع في جمعه بين الكون والإنسانية التي تعيش تحت سقفه، الإنسانية التي تلهو وتجد، وتضحك وتبكي، وتقامر وتغامر. . ,. فإذا اتصلت الأرض بالسماء: الأولى بحركات أيدي لاعبيها، والثانية بلوامع بروقها، وظهرت تلك الصلة الدقيقة بينهما في شعر، كان ذلك الشعر ترجمان الحياة، لأنه يلقى من أعلى عليين شعاعاً على أغوارها).

<<  <  ج:
ص:  >  >>