السرو والنظافة فأحضرت فراريج بيض شديدة البياض فبشعتها وخفت أن تكون غير نضيجة، ووافى الطباخ فنفضها فانتفضت، فسألته عنها فقال هذه تعلف الجوز المقشر وتسقى اللبن الحليب. وكان بختيشوع بن جبرئيل يهدي البخور في درج ومعه درج آخر فيه فحم يتخذ له من قضبان الأترج والصفصاف وشنس الكرم المرشوش عليه عند إحراقه ماء الورد المخلوط بالمسك والكافور وماء الخلاف والشراب العتيق، ويقول أنا أكره أن أهدي بخوراً بغير فحم فيفسده فحم العامة، ويقال هذا عمل بختيشوع.
(وحدث) أبو محمد بدر بن أبي الأصبع عن أبيه عن أبي عبد الله محمد بن الجراح عن أبيه أن المتوكل قال يوماً لبختيشوع: ادعني؛ فقال السمع والطاعة. فقال أريد أن يكون ذلك غداً. قال نعم وكرامة؛ وكان الوقت صائفاً وحره شديداً، فقال بختيشوع لأسبابه وأصحابه: أمرنا كله مستقيم إلا الخيش فإنه ليس لنا منه ما يكفي. فأحضر وكلاءه وأمرهم بابتياع كل ما يوجد من الخيش بسر من رأى، ففعلوا ذلك وأحضروا كل من وجدوه من النجارين والصناع فقطع لداره كلها صحونها وحجرها ومجالسها وبيوتها ومستراحاتها خيشاً حتى لا يجتاز الخليفة في موضع غير مخيش، وإنه فكر من روائحه التي لا تزول إلا بعد استعماله مدة فأمر بابتياع كل ما يقدر عليه بسر من رأي من البطيخ، وأحضر أكثر حشمه وغلمانه وأجلسهم يدلكون الخيش بذلك البطيخ ليلتهم كلها، وأصبح وقد انقطعت روائحه، فتقدم إلى فراشيه وعلقوا جميعه في المواضع المذكورة. فلما وافاه المتوكل رأى كثرة الخيش وجدَّته، فقال أي شيء ذهب برائحته؟ فأعاد عليه حديث البطيخ فعجب من ذلك. واستشرف المتوكل على الطعام فاستعظمه جداً. وأراد النوم فقال لبختيشوع أريد أن تنومني في موضع مضيء لا ذباب فيه، وظن أنه يتعنته بذلك. وقد كان بختيشوع تقدم بأن تجعل أجاجين السيلان في سطوح الدار ليجتمع الذباب عليه فلم يقرب أسافل الدور ذبابة واحدة. ثم أدخل المتوكل إلى بيت مربع كبير سقفه كله بكواء فيها جامات يضيء البيت منها وهو مخيش مظهر بعد الخيش بالدبيقي المصبوغ بماء الورد والصندل والكافور. فلما اضطجع للنوم أقبل يشم روائح في نهاية الطيب لا يدري ما هي لأنه لم يرى في البيت شيئاً من الروائح والفواكه والأنوار، ولا خلف الخيش لا طاقات ولا موضع يجعل فيه شيء من ذلك. فتعجب وأمر الفتح بن خاقان أن يتتبع حال تلك الروائح حتى يعرف صورتها، فخرج يطوف فوجد