يستطيع فتحه أو إغلاقه متى شاء وأنى شاء، وأن يكرر من عباراته كلما عن له أن يفعل حتى يفهم. فإذا لم يكن بعد ذلك أهلا للفهم فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
أما العمل المسرحي فله شأن آخر فهو بمثابة كتاب يقرأ جماعة، ومتى فتح لم يتسن لواحد من القراء أن يغلقه تبعاً لهواه. كتاب تدار صفحاته من تلقاء نفسها من أول صفحة إلى آخر صفحة. إذا قيلت منه كلمة فقد فانت، وليس لسامع أن يرجو من الممثل إعادتها، وإلا أصبحت قاعة المسرح ميداناً لكوميديا أخرى غير كوميديا المؤلف، كوميديا الجمهور لا كوميديا الممثلين، إذا راح المتفرجون - كما تخيل أحد الساخرين - في رواية غامضة يقومون الواحد بعد الواحد، مطالبين بإعادة تلك الجملة أو بتفسير هذه الكلمة، فيتصدى لهم الأذكياء أو من يتظاهرون بالذكاء فيطلبون إليهم أن يتركوهم أن ينصتون في هدوء وألا يقطعوا على الممثلين سلسلة اللعب؛ ويجيبهم الأولون على عنفهم بعنف أشد منه، حتى ينتهي بهم الأمر إلى التقاذف بالشتائم ثم إلى استعمال الأيدي. وهنا ينتقل تمثيل الدراما من فوق المسرح إلى قلب الصالة على كل حال سواء أدفع المتفرج أجر مكانه أم لم يدفعه، فإنه يصر على أن يفهم، وأن يفهم على الفور كلمات المؤلف بمجرد أن يفوه بها الممثل.
ومن ثم وجب أن تكون التمثيلية مثلا أعلى في قوة الإفهام ووضوحه. فالمسرح إذاً معبد الوضوح، يجب أن تسمى فيه الأشياء بأسمائها. وويل للمؤلف الذي يحاول أن يمثل قطعة باللغة الصينية على مسرح من مسارح القاهرة لا يفهم زائروه غير العربية. تلك هي إحدى الحقائق الكبرى التي على كاتب المسرحية أن يراعيها، مهما كلفه ذلك من جهد ومن تضحية: أعني أن يستعمل لغة مشتركة بين الجميع، مفهومة من الجميع، مهما كانت منتقاة طافحة بالصور والأخيلة موغلة في الروج الأدبي.
وإليكم حقيقة أخرى ليست أقل من صاحبتها في الأهمية. وهي أمر يتعدى الكلمات والعبارات إلى الموضوع الذي تعبر عنه، إلى الأفكار التي هي لباس لها. فما جدوى الكلمة الواضحة المعنى والعبارة الصحيحة المبنى اليسيرة الفهم الجميلة الصورة، إذا كانت الفكرة التي تعبر عنها أو العاطفة التي تصفها أو تستثيرها لا تمت بشيء إلى ما في ذهن الجمهور وقلبه، إذا كانت لا توقظ فيه صدى ولو خافتاً لهذه العاطفة أو تلك الفكرة؟ وأسوأ من ذلك إذا أثارت فيه عاطفة مضادة لمل أراد الكاتب، أو إذا أثارت عاطفة ما عند بعض