المتفرجين فجعلتهم يبكون وأخرى مناقضة لها عند البعض الآخر فجعلتهم يضحكون.
فعلى الكاتب المسرحي أن يخاطب عواطف وأفكاراً مشتركة بين جميع أو معظم أفراد جمهوره، ولو كانت موزعة بينهم بأنصبة مختلفة.
قد يعترض علينا معترض فيقول: أواثق أنت من أنه قد يوجد شخصان فقط يؤخذان من بين الشعب دون اختيار فيرى بعد الاختيار أنهما يتفقان في إحدى الفكر اتفاقاً كاملاً؟ ونحن نجيب على هذا بأن الاتفاق في التفاصيل أمر عسير. ولكن من الطبيعي أن يتفق أفراد مجتمع من المجتمعات التي يصح أن يطلق عليها هذا الاسم في طائفة من القيم العقلية والأخلاقية: كالحق والباطل، والخير والشر (ولا نقول الجميل والقبيح، فإن تلك قيم جمالية تخضع لاختلافات كثيرة لا محل لذكرها هنا). فالاتفاق على الخير والاتفاق على الشر، ذلك هو الحد الأدنى الذي على المؤلف أن يسعى في تحقيقه حتى يتفق التناسب بين عمله وجمهوره. ذلك هو الشرط الأساسي الذي يجب أن يتوفر في التمثيلية لتثير انفعال الجمهور ولتجتذبه إلى ما يريد المؤلف أن يجتذبه إليه. فالقطعة التمثيلية لا تكون حقاً ولن تحيا حقاً إلا إذا حييت في نفوس الجمهور كما حييت في نفس الكاتب والممثل، وفي نفس اللحظة التي يشاهدها فيها. هذا ما جعل جاك كوبو من أعلام المسرح الفرنسي يقول (لن يكون هنالك مسرح بمعنى الكلمة إلا يوم نجد رجل الصالة يتمم بنفس الكلمات التي بقوة بها رجل المسرح في نفس الوقت وبنفس القلب.) نعم لا يمكن أن يكون ذلك إلا يوم يصير رجل الصالة ورجل المسرح والمؤلف وكأنهم شخص واحد؛ ولابد لهم من ميدان معنوي مشترك. هذا الميدان يستطاع العثور عليه بسهولة في مجتمع سليم التكوين، فيه شيء كثير من التجانس، يجتمع على الاعتراف ببعض الخير لأنه خير، وببعض الشر على أنه شر، وببعض الحق على أنه حق. أما إذا كان المجتمع مهلهلاً لا تجانس فيه فإن مهمة المؤلف تعتبر من أشق الأمور. ففي هذه الحال يتعسر على المشاعر أن تتفق ويصعب على الكاتب أن يخاطب جمهوره بلغة يفهمها الجميع. ولكنه حتى في هذه الحال لن يعدم أن يجد بذوراً طفيفة لآمال ومخاوف مشتركة. وحينئذ فعليه أن يتخذ منها نقطة ارتكاز يصدر عنها في مسرحيته، وأن يتخذ من مسرحيته ومن نشاطه في الأدب المسرحي وسيلة لتقريب ما تنافر من عقلية أبناء وطنه. وهنا يبدو لنا بعض ما يستطيع المسرح أن يقدم للوطن وللمدينة من