وعدت إلى الدار، فتلقاني أهله بالمودة والبشر، وأسرع الأولاد وتعلقوا بي، فأحسست إذ أبصرت دعة المنزل، ونعمة الأهل، وسعادة الفضيلة، ولذة الاستقرار، بمثل ما تشعر به السمكة تلقى في الماء، بعد أن أشرفت على الاختناق.
هذا وما مشينا إلا خطوة واحدة من الطريق، وما رأيت إلا المطعم، فكيف لو أكملت الطريق ورأيت الدنيا؟!
لا. لا أريد هذه (الدنيا)، خلّيتها لكم، فاسرحوا فيها وحدكم وامرحوا، لا أريدها، حسبي دنياي، فهي خير لي وأجدى عليّ، ولو لم يكن فيها إلا راحة الأعصاب، وهدوء البال، وصحة الجسم، لكان ذلك مرغباً لي فيها، صارفاً لي عما سواها، فكيف ومع ذلك كله تقدير الناس، ورضا الله؟
أما الأدب فإن كان لا يعجب الناس منه إلا ما يجئ بسهر الليالي، وذرع الطرقات، وسُكنى المراقص، وإغراء الغيد بالفواحش، وسلوك طريق جهنم، فإن أهون شئ عليّ أن أهجره وأن أطلق الكتابة ثلاثاً، ثم لا أعود إليها، ولا أقبل عليها، وأن أنام بعد مستريحاً خليّ القلب فارغ الذهن، إذ لم أخسر بتركها شيئاً ولا خسر القراء!