فأصرّ فعلمت أن العشاء في السوق من شرائط رؤية الدنيا إجادة الكتابة، فقبلت ومشينا.
قلت: إني أعرف (مطعماً) جيد الطبخ.
قال: أي مطعم؟
قلت: الحاتي.
قال: الحاتي؟! تعال أرك الدنيا. امش. امش. . .
قلت: وأين الدنيا؟
قال:. . . . . . . . .
وسمى أسماء نسيتها.
وأدخلني واحداً من هذه المطاعم، فرأيت مكاناً مزدحماً، وسقفاً واطياً، وهواء ثقيلاً، ودخاناً مطبقاً، وضجة مرهقة، وموائد ملتصقة، ثم جاءنا النادل فكلمته بالعربية، فلوى شدقه استكباراً ولم يفهم ولم يجب، فكلمه صاحبي بلغة لا أعرفها، فجاءنا بطعام أدعو الله أن لا يطعمه مؤمناً، إلا إذا عذبه به في الدنيا تكفيراً لذنبه، وتخليصاً له من عذاب الآخرة، طعاماً خبيثاً، وشيئاً كالضفادع والسراطين وعقارب البحر ودود البر، وحشرات الجو، وشيئاً لزجاً كأنه مرهم الزنك مخلوطاً بالاكتيول فرفعت يدي عنه ولم أميه، وأكل صاحبي بشماله، لأن من العيب كما فهمت أن يأكل باليمين. . . واستعمل ملاعق وأشواكاً وسكاكين كباراً وصغاراً تسلح عصابة كاملة. . . ثم جاء النادل بزجاجة فتحها له، قرأت عليها اسم خمرة من الخمور، فالتفت فإذا الذي نحن فيه خمارة، فغضبت وقمت، وقلت:
أما إذا بلغ الأمر مبلغه، فاعلم أني أمزح معك، وأتسلى بصحبتك، وما أحب أن تمتد المزحة أكثر من هذا، ولله عليّ أن لا أصحبك بعد اليوم
ورأيته قبل أن أنصرف، قد دفع ثمن عشائه وزجاجته تسعين قرشاً، أطعم بمثلها أسرتي كلها يوماً كاملاً.