يكون إنشاء يخلد به في الأدب، واختراعا يزيد ثروة اللغة معنىً أو موضوعا أو فكرة. وما حاجة المازني إلى الخلود وهو لا يراه إلا خرافة، اخترعها الإنسان ليضل بها نفسه ويرضى ناحية من غروره وكبريائه؟
على انه - من حيث يريد، أو من حيث لا يريد - قد كتب لنفسه في تاريخ الأدب صفحة، وأثبت صورة، سيخلد بها وتخلد به.
وأنت حين توازن بين ما يكتبه المازني الآن، وما كان يكتبه أو يحرره منذ بضع عشرة سنة - لا تجد فرقاً كبيرا، إلا أن ذلك الأديب الطموح الذي كان يكتب ليقول الناس:(ما اجمل ما كتب. . .!) قد قست عليه الحياة ونالته أحداث الزمن، حتى عاد يكتب، لأنه مطلوب منه أن يكتب؛ ولكنه هو المازني الذي يعجب القراء به ويجتمعون إليه، وإن لم يعنه هو اجتمعوا أم تفرقوا إلا بمقدار ما يعني صاحت الصحيفة الذي يطلب إليه أن يكتب!
والمازني حريص على سلامة لغته، حرصه على أن تكون اسهل على آذان القراء وأطوع لألسنتهم؛ وهو بسبيل ذلك كثيراً ما يحاول تصحيح الكثير من لغة العامة وأساليبهم، فيخطئ في ذلك ويصيب، وما على المجتهد في أن يخطئ باس؛ وقد يمر القارئ العادي على ما يكتب المازني، فيراه بعض أولئك الضُلاَّل الذين يدعون إلى العامية ويرجون لها؛ ويمر الأديب المطلع، فيرى لغة أن لم تكن إلى لغة القدماء فهي منها، وان كان فيها من لغة العامة، فهو الجديد الذي تتقبله العربية ولا يأبه البيان الصحيح، لأنه يزيدهما ثروة إلى ثروة، ويفتح الباب إلى الأدب القومي في لغته التي يتحدث بها أهله، غير نابية ولا مستكرهة ولا أعجمية ولكنك إذ ترى المازني يحرص على هذه الناحية القومية في اللغة، قل أن تراه كذلك في الموضوع الذي يحاوله؛ وما اكثر ما يشطح خياله إلى قصة أو حادثة، فيصورها بأسلوبه الساحر، على أنها مصرية وقعت في مصر، وجرت في الجو المصري، وتحدثت بها ألسنة مصرية، وكان حقها أن تكون مما يقع في لندن، أو برلين! أتكون مما يقعمطالعات المازني في مصر هي بعض الجو المصري الذي يراه وينقل عنه. . .؟ على أنه أدب جديد في العربية على كل حال سواء أكان من إيحاء الجو المصري إلى فكر المازني، أم من إيحاء جو غريب.
وبعد، فهذا كتاب المازني الجديد (خيوط العنكبوت)، فمن لم يكن يعرف المازني فليعرفه