فيه، ولعله أن يرى هناك ما رأيت وأسلفت وصفه. تبدو لك فكاهة المازني لأول صفحة من الكتاب، حيث يهديه إلى ولديه:(اعترافاً بفضلهما، وشكراً لمعونتهما. . فلولا عبقريتهما لظهر هذا الكتاب قبل عامين!) وتقرأ فاتحة الكتاب فلا تدلك أي كتاب هو، ولكن سِرْ إلى نهايتها ثم اقرأ:(وبعد، فقد لا يكون هذا الكلام اصلح ما يكتب على سبيل التمهيد لمجموعة من الصور والقصص، ولكن ما يكتب على روح الفاتحة من روح الكتاب، وهذا شفيعها عندي فعسى أن يكون شفيعها عند القراء. . .!).
ولقد قرأت المقدمة، وقرأت الكتاب؛ ولكني لم استطع أن افهم قوله (. . . . روح المقدمة من روح الكتاب) أما المقدمة ففضل اجتماعي ما كنت أقدّر أن يكتب المازني مثله، لا عجزاً منه، فانه لقدير؛ ولكني أعرفه أكثر اعتزازاً بقوميته، وافخر بمصريّته، فما كان ينبغي أن يتهكم بمصر ويزرى بها، كل هذا التهكم وهذه الزراية في فاتحة الكتاب! وقد يكون فيما عاب على المصريين واخذ عليهم محقّا بعض الحق، وقد يكون بعض ما قاله أو اكثر ما قاله صحيحا بعض الصحة، ولكن، أما كان ينبغي أن يستر على قومه؟ والجمود والبلادة، والضعف - عيوب طالما رُميتْ بها مصر من أعدائها، ومن بنيها أنفسهم، ولكن هذا على ما قد يكون فيه من رغبة الإصلاح، يؤثر أثره في القراء، ويكون أشبه بالإيحاء يستقر في الواعية الباطنة فيعمل عمله، فلا يكون من ورائه إلا الجمود والبلادة والضعف حقا وصدقا لا تهمة بغير دليل. ويحاول الأستاذ المازني في ختام الفاتحة أن يعتذر وان ينفي التهمة؛ أفتراه قد بلغ في اعتذاره بمقدار ما بلغ في تجريحه؟
وان القارئ ليعجب لذاك يصدر عن المازني المصري الفخور بقوميته، ولكن، أرأيت إلى المازني إذ يكتب فلا يتحرج أن يسخر من نفسه، وأهله، وولده؟ فها هو ذاك يسخر أيضاً من مصر. . .!
أما الكتاب، فكل شئ فيه جميل، إلا الفاتحة: وهو قسمان: (صور من الأمس)، و (صور من اليوم) هما مجموعة صور وأقاصيص، لا تجد لها شبيها مما كُتب في العربية، جمعت إلى الرقة في الوصف، حُسْنَ الأداء وسلامة التعبير، إلا قليلا احسبه من اثر السرعة التي يكتب بها المازني. وأنت ترى فيما تقرا من هذا الكتاب صورة المازني الطفل، والمازني العابث، والمازني الأديب الذي يسحر قراءه بسلامة الفكر وحُسْنَ الأداء؛ فحياته منشورة في