للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

محترفي الصداقة. فقدم ورفع وأعطى ومنح. وهؤلاء (الأصدقاء) اللصقاء يعرفون كيف يلبسون لكل حال لبوسها، كما يصفهم الدكتور، وقد بلغ الغاية في هذا الوصف، ومن ذلك مخاطبته لأي منهم: (وأي شئ أيسر من أن تصفو لي اليوم وتكدر لي غداً، ثم تعود إلي مثل ما كنت فيه من الصفو، ثم ترتد إلى مثل ما كنت فيه من الكدر، وتجعل نفسك على هذا النحو كرة تقذفها من الصلة إلى القطيعة ومن القطيعة إلى الصلة).

وقد تغير هؤلاء المراءون على الدكتور، لأنه أصبح لا يملك ما كان يملك لهم من المنافع، فتحولوا عنه إلى غيره يلتمسونها عنده.

ولا شك أن من فوائد هذه المحنة النفسية (الطبيعية) هذا التحليل الرائع لتلون المتلونين ورياء المنافقين، وتهوين أمرهم، والسخرية منهم وما إلى ذلك مما تضمنته فصول الكتاب؛ ومن المحقق أن هذه المحنة صبغت - وستصبغ - أدب طه حسين بلون جديد.

ويتعزى الدكتور طه عما ترك في مصر من الشر والنكر والإثم بما يلقى في فرنسا من كثير يعبر عنه تعبيراً يشيع فيه الارتياح والاغتباط. وقد عاد إلى فرنسا بعد هذه الرحلة، رحلة الربيع، ولا تزال بها إلى الآن، يعالج نفسه بما يحب هناك، وما ينسيه ما لقي في مصر. . . ومن حق الدكتور طه حسين على فرنسا أن تيسر له كل ذلك، فقد أحبها وتغنى بها، وها هي ذي تستأثر بقلمه، دون مصر وما فيها من شؤون وشجون. . . ومن حق مصر على فرنسا أيضاً أن تشفى لها نفس الدكتور طه وتأسو جراحه، فقد أنبتته مصر وأنجبته ولم تبخل به على فرنسا. . . وهى - أي مصر المسكينة - حائرة بين إسراف (الفتى) في التدلل وبين غدر الغادرين به، وترجو أن يعو إليها سالما معافى موفوراً.

أدب الهروب:

قرأت في العدد الأخير من مجلة (الأديب) اللبنانية، كلمة للأستاذ حسن حمام من اللاذقية، حمل فيها على الأدباء (الذين غرقوا بين أمواج الحب المصطنع وبين زبد أمواج الرمزية الغامضة وبعدوا عن ساحل الحياة المضطرب الجياش الثائر) وناشد أدباء العرب أن يرفعوا من القومية العربية ويعلوا شأنها، ودعا إلى أن يشعر الأديب بما يضطرب في بيئته ويستوحى أدبه من الحياة وقلبها النابض.

وقد استرعى انتباهي قوله: (إن أدبنا الحاضر أيها الأدباء بحبه وغزله، بشكواه وأنينه،

<<  <  ج:
ص:  >  >>