صالحة لتكون حكاماً أمناء وجنود أشداء، عقدوا النية على صياغة دستور البلاد، وحماية نظام الحكم فيها، والدفاع عنه ضد أي تغيير. وبإبعاد الناشئة هكذا عن نفوذ الأسرة لم تفسد تكوينهم العواطف المائعة التي يسرف الآباء في إحاطة أبنائهم بها، ولا شواغل المال والفقر التي هي دائماً حديث الأسرة. فعاشوا في أماكن جميلة، واكتسبوا بمعاشرة بعضهم لبعض واشتراكهم في الحياة المدرسية صفات الرجولة النبيلة التي خلقت منهم خداماً لوطن مطيعين وقضاة أو حكاماً أو إداريين نزيهين، رائدهم العدل والحق
وهذا النوع من المعاهد وما يليه من الجامعات أحسبه جديراً بالصيانة والبقاء. ولو كنت أعرف أنه من المجدي حث شخص مثلك لنصحتكم أن تجعلوا نظام هذه المعاهد جزءاً من نظام تربيتكم الحديثة، ولكن يمنعني من حثي هذا اعتقادي أن هذه المعاهد لم تبلغ في تطورها درجة الكمال. وذلك لأسباب حيوية ثلاثة: السبب الأول هو أن أبناء مدارس أولاد الأعيان لم يتخرجوا فيها على فلاسفة، ولكن على أفراد لا يمتازون كثيراً عنهم. ونتيجة هذا أنهم حينما أصبح زمام الحكم بأيديهم لم يستطيعوا توجيه جمهور الشعب من عمال وصناع وتجار التوجيه الصحيح الصالح. ذلك لأن عصر الاختراع العلمي العملي قد أتاح لهذه الطبقة من الشعب أن تجمع القناطير المقنطرة من الثروة بمجهود قليل. ولم يكن عند طبقة الحكام وولاة الأمر من قوة التعقل وفلسفة الحكم ما يجعلهم يتداركون ما حدث من نمو حب المال في نفوس الشعب وروح الطمع والجشع المادي وسرت هذه العدوى لطبقة الحكام أنفسهم، بل لرجال الدين فلم يحاربوا هذه الميول، وأصبحوا خاضعين لها بدلاً من خضوعهم لنداء العقل والحكمة. وإنني أعتقد أن ما اتصف به حكامكم من أخلاق كريمة طاهرة خفف كثيراً من حدة المطامع المادية الاستعمارية. وكثيراً ما قضت أخلاقهم الكريمة على أسوأ ما في هذه المطامع من آثار. وإنني أصدقك النصح أنه لن يمكنكم أن تعيشوا آمنين، وأن تبقوا على ثراء شعبكم إلا إذا حرمتم ملكية الأرض والشركات ورءوس الأموال على حكامكم وأصبحوا هم عقلاء وذوي عزيمة قوية يلجمون بها غريزة حب المال والكسب. والسبب الثاني هو أن هذه المدارس كانت ولا تزال غير خاضع لإدارة الحكومة، ومقصورة على هذه الجماعة الغنية من الشعب التي لها من وفرة المال ما تنفقه بسخاء على تعليم أبنائها. وربما لم تكن هناك فائدة من خضوع هذه المدارس لإدارة الحكومة في الوقت