من أترابه، أذكر منهما الأستاذ عبد الفتاح المرقي المحامي؛ وقد اتخذوا (مسجد البهي) في طنطا مكاناً لاجتماعهم وتبليغ دعوتهم، وطنطا، كما قد يعرف كثير من القراء، مركز هام من مراكز الثقافة في مصر، وفي أهلها حفاظ وتحرج، ولها صبغة دينية نشأت من أن فيها معهداً دينياً كبيراً في (الجامع الأحمدي) كان في وقت ما يشتد عدْواً في مسابقة الجامع الأزهر بالقاهرة. والأزهريون في طنطا، كالأزهريين في القاهرة إلى عهد قريب: أكثر أهل العلم في مصر حفاظاً على القديم، وأسرعهم إلى سوء الظن بكل إصلاح جديد، من ذلك لقي الرافعي وصاحباه في دعوتهم ما لقوا من عِداء طلبة الجامع الأحمدي وعلمائه، حتى هم الطلبة مرة أن ينالوهم بالأذى في أبدانهم. . . فلم يجد الرافعي وصاحباه في النهاية بداً من التسليم، وانحلت الجمعية الرافعية الصغيرة. . .
حدثني الرافعي حديث هذه الجمعية في خريف سنة ١٩٣٢ بعد ثلث قرن مما كان؛ وكنت ذهبت إليه يومئذ في وفدٍ ثلاثة ندعوه إلى الاشتراك معنا في جماعة أنشأناها بطنطا في ذلك الوقت باسم (جماعة الثقافة الإسلامية) تدعو فيما تدعو إلى العمل على إحياء الشعور بمعنى القومية الإسلامية العربية، واتخذت لذلك وسائل وشرعت نهجاً؛ وكانت تضم فيمن تضم طائفة ممتازة من أهل الرأي والعلم والأدب، لكل منهم صوت ورأي وجاه في قومه. . .
ولبى الرافعي دعوتنا بعد تمنع، وانتظمت الجماعة على رأي واحد إلى هدف واحد، فلما استكملنا الأهبة، دعونا الشباب المثقفين في طنطا إلى اجتماع عام في ناد كبير، وكان الرافعي من خطباء الاجتماع. . .
صعد الرافعي إلى المنصة، فوقف برهة يجيل نظره في ذلك الجمع الحاشد، ثم انطلق في خطبته. . .
وعلى أن الدعوة إلى الاجتماع كانت عامة، وكان موضوعه هو الثقافة الإسلامية؛ فإنه لم يشهد هذا الاجتماع من شيوخ (الجامع الأحمدي) ومدرسيه غير ثلاثة من الشيوخ، وطائفة غير قليلة من المدرسين غير الشيوخ؛ ولم يفت الرافعي أن يلاحظ ذلك؛ فمال في خطبته إلى هذه الناحية، ينعى على شيوخ الأزهر أن يتجاهلوا واجبهم في مثل هذه الدعوة، وأن يؤثروا القعود على الجهاد لله! وكان فيما قاله: (. . . إن أدبياً كبيراً من وزراء الدولة قد قالها مرة منذ ثلاثين سنة: لو قعد حماري في الأزهر خمس عشرة سنة لخرج عالماً. وما