أشتات العلوم والفنون، بيد أن هذه المصنفات القديمة كان ينقصها روح التناسق والترتيب العلمي، ولم تظهر فكرة الموسوعة (الانسيكلوبيديا) بمعناها الحديث إلا منذ القرن السادس عشر. ولم تظهر طلائع الموسوعات الحديثة بترتيبها الفني أو الأبجدي إلا في القرن السابع عشر كما سنرى
وهنا، وقبل أن نمضي في استعراض تاريخ الموسوعة الحديثة يجدر بنا أن نشير إلى الدور الذي أداه التفكير العربي في هذا الميدان؛ فقد عرفت الآداب العربية فكرة الموسوعة بمعناها الشامل، وحققت في هذا الباب جهوداً خليقة بالإعجاب والتقدير. ومنذ القرن الثالث الهجري يبدو أثر هذا الميل إلى التصنيف الشامل واضحاً في كثير من الآثار العربية، ونستطيع أن نلمس هذا الأثر واضحاً كثير من الآثار العربية، ونستطيع أن نلمس هذا الأثر في كتب مثل عيون الأخبار لابن قتيبة، والعقد الفريد لابن عبد ربه، والأغاني لأبي الفرج، وهي مصنفات يطبعها طابع الموسوعة فيما تتناول من مختلف الموضوعات والأخبار. كذلك نجد روح الموسوعة ظاهراً في كثير من المصنفات التاريخية العربية؛ فكتاب الكامل لابن الأثير مثلا يعتبر بحق موسوعة تاريخية شاملة تجمع بين مزايا التعميم والترتيب المدهش، وكتاب الوفيات لابن خلكان بلا ريب من أقيم موسوعات التراجم. ومما يلاحظ أن الموسوعة الأوربية الحديثة بدأت كما سنرى بهذا النوع من المصنفات والمعاجم التاريخية الشاملة
على أن الآداب العربية عرفت في مصر نوعاً أتم من الموسوعة الكبيرة الشاملة؛ ونستطيع أن نقول إن القرن الرابع عشر في مصر كان عصر الموسوعات؛ ففيه أخرج شهاب الدين النويري المتوفى سنة ٧٣٣هـ (١٣٣٣م) موسوعته الضخمة (نهاية الأرب في فنون الأدب)، وأخرج ابن فضل الله العمري المتوفى سنة ٧٤٩هـ (١٣٤٨م) موسوعته الجغرافية والتاريخية العظيمة (مسالك الأبصار في ممالك الأمصار)؛ وفي أواخر هذا القرن وضع القلقشندي المتوفى سنة ٨٢١هـ (١٤١٨م) موسوعته السياسية والإدارية الضخمة (صبح الأعشى)، وفي هذه الآثار النفيسة الشاملة نرى طابع الموسوعة وروحها بارزين لا من حيث الضخامة وسعة الأفق فقط، بل ومن الناحية العلمية والفنية أيضاً؛ فكتاب نهاية الأرب الذي يشغل نحو أربعين مجلداً ضخما هو موسوعة تاريخية وجغرافية وأدبية