للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ساكت لا يمد إليه يداً ولا يبرز مخلباً فيطمئن الفأر ويشرع في الهرب وهو يتلفت حتى إذا وثق أنه آمن وثب عليه القط وهو يضحك في سره وغرس في جنبيه مخالبه وراح يشكه بها شكاً يكون خفيفاً تارة وثقيلاً أخرى ثم يكف عنه مرة أخرى - وعينه عليه - ويكتفي بأن يربض ويتربص له وأن يلاحظه وهو يتلوى من الألم. ويدرك الفأر أن الشك قد انقطع وإن كن حر ما لقي منه لا يزال شديداً فيتشهد ويقول (يا حفيظ. . أعوذ بالله. . على وجه من أصبحت في يومي المنحوس هذا يا ترى. . . على كل حال الحمد لله. . قدر ولطف. . وترى أين ذهب هذا الوحش الضاري. . يا حفيظ. . يا حفيظ. . اللهم استرنا. . . المهم الآن أن أذهب إلى جحري فإنه على ضيقه خير ألف مرة من ميدان هذه الغرفة التي لا آمن أن يثب علي فيها قط آخر. . والعياذ بالله) ويتوكل المسكين على الله ويقول (هيه. . يا معين ويروح يجر رجلاً بعد رجل؛ وذيله مسحوب وراءه على الأرض؛ ولا تبقى له قدرة على التلفت من فرط الإعياء ومن كثرة ما نزف منه من الدم القاني فيمضي إلى الجحر وهو لا ينظر لا إلى اليمين ولا إلى الشمال ولا قدامه ولا خلفه؛ حتى إذا قارب الجحر وانتعشت نفسه قليلاً وعظم أمله في النجاة والسلامة وطول العمر وهم بوثبة أخيرة إلى حيث لا تدركه القطط ولا تستطيع أن تتبعه، إذا بالقط المتربص على ظهره، ومخالبه في لحمه الطري، فيدرك الفأر اليأس ويستسلم ويقول في سره وهو يؤكل عسى الله أن يعوضني يوم النشور داراً أخرى لا قطط فيها. . ويلفظ أنفاسه الأخيرة وهو يحلم بجنة الفئران.

والقطط تولد عمياء مطبقة الأجفان فيدركنا العطف عليها وترق قلوبنا لها فنعني بها ونتعهدها ونسقيها اللبن الذي هو لطعامنا، ونبرها ونسرها سنة بعد سنة، ونفرح بها ونعجب بمنظرها ونباهي الجيران، ثم يتفق أن نخرج يوماً وأن نوصد الأبواب ونحن لا ندري أن القط في إحدى الغرف ونغيب شيئاً ثم نعود إلى البيت ويدخل أحدنا حجرة النوم ليخلع ثيابه فيغلق الباب وراءه كعادته وإذا بالقط على السرير يتحفز للوثوب عليه وتمزيق لحمه - ما في ذلك شك - فكأنه ليس أمام قط صغير وإنما هو أمام نمر مفترس فيضطرب الرجل وتتخلخل ركبتاه ولا يعود يعرف أين الباب، والقط يموء بل يعوي ويتوثب كالمجنون وقد نسى كل ما كان من سابق النعمة ولم يبق له هم إلا الخروج من الغرفة أو

<<  <  ج:
ص:  >  >>