للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومن العجائب أنه عنى بما لا يقع في خلد أحد من الباحثين في ومنه، المعاصرين له؛ فلقد أفرد (البيزرة) برسالة مبسوطة، وعنى بإخراج مخطوط قديم قيم فيها. وخص (تاريخ الفلسفة) وأكابر الفلاسفة بكتاب ضخم نفيس، وعنى (بفلاسفة اليهود في الإسلام) كان كمونه وابن ملكان. وعالج (أدب البحث والمناظرة) واثبت في مجموعاته تاريخ البلدان التي هبت ريحها في العلم أو كانت برزة في الأدب، وأثبت سير رجالها المتبحرين، وأعيانها الكملة، وبيوتاتها الجليلة. وعنى بمؤرخ العراق (ابن الفوطي) - المتوفى سنة ٧٢٣هـ - فأفرد سفراً مبسوطاً مطولاً أثبت فيه تاريخ العراق - حينئذ - وضمنه سيرة ابن الفوطي، وإني لأظن الأمر الذي حمل الشبيبي على إخلاد ابن الفوطي، وإخال السبب الذي جعله معنياً به، وأحسب أن رأس ما عظمه في عينه، هو تشابه الرجلين، فهما اللذان أرخا العراق ودونا أخباره، وتصيدا أنباءه. وقد بر الشبيبي بابن الفوطي فأنقذ الجزء الرابع من كتابه الجليل (مجمع الآداب في معجم الأسماء والألقاب) الذي كان نسياً منسياً في (دار الكتب الظاهرية) بالشام، وحرره وعلق عليه وهذبه، وأثبت سيرته في رسالة مطولة

ولقد اطلع على كثير من خزائن الكتب العتيقة بالعراق والشام ومصر وأفاد من مخطوطاتها ما لا يقوى على تحصيله - اليوم - من وقف نفسه على البحث ونذر للتأليف فرصته. واعتكف في دور العلم وبيوت الأدب، فأخذ نصيبه منها، واقتفى كتباً نفيسة، وجمع أسفاراً مختارة. وعنده خزانة جامعة رائعة تزينها آثاره التي تنم على مقدار فضله، وهي أمارة كماله. وهو جيد الحظ مليح الكتابة، له مشاركة في جميع العلوم والآداب.

لا أزال أزوره وأتردد إلى حضرته وأجتمع معه، فإذا أبطأت عليه عاتبني. ولقد منعني أن أقصد حضرته داء ألم بي، غادرني رهين الفراش، وتركني إلف الداء فهاجني شوقي إلى مجلسه، وثورني نزوعي نحو مجمعه، فارتجلت هذه الأبيات وأنا نهب السقام، وأوفدتها عليه ضحا ١٤ تشرين الأول من سنة ١٩٤٩:

مولاي ما اخترت القطي ... عة والرضا أقصى رجائي

لكن أمنت الشخط وال ... أيام تبخل باللقاء

وبقيت نضو السقم ره ... ن جوي أطارحه عنائي

أتذكر الجمع الحبي ... ب فأنتشي ويزول دائي

<<  <  ج:
ص:  >  >>