للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

سواء أكان في هذا الكتاب أم في غيره!

٢ - ثم لا يكاد الكثير منا يحس أن للأزهر رسالة يجب أن يضطلع بها، ودوراً عليه أن ينهض بأعبائه. ولو أننا نفقه رسالتنا ونؤمن بها لما كان في أمورنا هذا الوهن، وفي سُبلنا هذا العوج، ولكُنا اعرف بالإصلاح وأهدى لسبيله، ولأصبنا من النجاح - على الأقل - ما أصاب رجال الجزويت المنبثين في شرق العالم وغربه.

هؤلاء يفهمون رسالتهم التي وهبوها أموالهم وأنفسهم، وهي غرس الدين المسيحي في قلوب من يلون أمر تربيتهم وتثقيفهم، ونشر هذا الدين في جنبات الأرض جميعاً. لهذا يدرسون دينهم دراسة وافية، كما يدرسون الدين الإسلامي كذلك، لعلهم يجدون فيه ثغرة ينفذون منها للدعاية لدينهم. ومع هذه الدراسات الدينية العالية تراهم يشاركون مشاركة طيبة في العلوم الاجتماعية والعمرانية وفي الفلسفة والآداب، ويتوسلون بهذه العلوم كلها ليصلوا إلى ما جعلوه لأنفسهم غرضاً وغاية. وهم في أمورهم عامة مخلصون متفانون، لا يتهيبون عملاً، ولا ينكصون عن تضحية، يأتمرون ويتباحثون ويكيفون أنفسهم ومناهجهم حسب ما توحي به الأيام والمناسبات.

أما نحن معشر الأزهريين فقد جهلنا العالم فأنكرناه ونكرنا، وتجهمنا للعناصر الأخرى التي تتألف منها الأمة فتجهمت لنا، وصرنا نعيش على هامش الحياة لا نحس بالغير ولا يحس بنا، منا من يفهم الدين على إنه شعائر جافة جدية لا وسائل للفلاح والخير! ومن يحذق قواعد النحو وأصول البلاغة، ثم يعسر عليه أن يقيم لسانه بين الناس بأسلوب فصيح نفاذ للقلوب! ومن يرى الحق فيما قال الغزالي مثلاً وان كان الخطأ فيه بيناً، والإلحاد والكفر فيما ذهب إليه الفلاسفة وإن كان الصواب فيه واضحاً! ومن يعلم الأخلاق ولا يتخلق، والفلسفة ولا يتفلسف، والأصول والفقه ولا يجتهد، وعلم الكلام ولا يستطيع أن يجادل عن الدين خصومه الحاضرين لا من عفت آثارهم الأيام!

وكان من هذا كله، ومن تخلفنا في الطريق، أن تجاهلتنا وزارة المعارف في أمور كان لا يصح فيها التجاهل، وإن أغضينا العين على القذى. اذكر من هذه الأمور ما كان من الوزارة حين الفت لجنة رسمية لتاريخ إعلام الإسلام، في التشريع واللغة والأدب وسائر نواحي النشاط العلمي، فلم يكن فيها أحد من الأزهر! وما يجري هذه الأيام بين سمعنا

<<  <  ج:
ص:  >  >>