للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أشد الإعجاب وهنأه عليها.

ومات فلوبير فتحرر موبسان من سيطرته الأدبية التي كان يفرضها عليه، وأصبح حراً في معتقداته وسار في الطريق التي رسمها لنفسه.

٢ - أفكاره وآراؤه

كانت لموبسان عين ثاقبة تلاحظ الصور وحركاتها بسرعة فائقة ودقة آلة فوتوغرافية، فسرعان ما تنطبع تلك المرئيات في ذهنه فيتعمق في فهمها جيداً حتى يهضمها تمام الهضم. فمن صباحه إلى مسائه كان يجمع ويلاحظ كل ما يفيده في مهمته الأدبية، ولذلك نلاحظ أن كتاباته لم تكن تظهر بمظهر الكتاب النفسيين (السيكولوجيين) بل هي مقتطعة من الحياة إذ فيها ألوانها وأشكالها وحركاتها

وتدور قصصه على ناحيتين: أولاهما الناحية المرحة والحياة الاجتماعية الصاخبة التي كانت تشتهر بها فرنسا، والأخرى قصصه عن الريف النورماندي وذكريات حياته التي قضاها فيه وحديثه اللذيذ عن الأرض والطبيعة والفلاح

وتترجم كل مؤلفاته في مختلف أطوار حياته ونظرياته عن المجتمع. ففي مؤلفاته الأولى نلاحظ السخرية اللاذعة. ففي قصة لم يترك فرصة سواء في العربة أو الحانة دون أن يهزأ بالأشراف والطبقة المتوسطة والراهبات. ثم ظهرت في الحقبة التي تلي ذلك من حياته احساسات الرحمة والشفقة. أما في نهايته فكان التشاؤم ومشاغله ومتاعبه النفسية أوضح ما في كتبه في ذلك الحين. فأفكاره في ارتفاعها وانخفاضها إنما كانت تتبع ميزان صحته الجسدية في قوتها وهزالها.

كان أستاذه فلوبير يعتقد أن الفن يخفف من عبء الحياة ويجعلها سهلة لينة، ولم ييأس من تقدم العلوم ولم ينكر بلوغ النجاح، إلا أن موبسان الذي كان يستمع لتلك الآراء لم تكن لديه الثقة الكافية في الحياة. فمن مبدأ حياته كانت فلسفته اليائسة المتشائمة فوق العادة. فلم تجذبه فكرة فلوبير السليمة بقدر ما جذبته حكمة شوبنهور القائلة: (إنه لا سعادة على الأرض) وبالرغم من تكرار موبسان لنظريته المتشائمة في قصصه كثيراً لم تكن لتستند على براهين قوية. بل كل ما في الأمر أنه كتبها بشعور صادق قوي. وكان يبعث ذلك التشائم نظرته المجردة إلى الحياة الواقعية. فكان يعتقد أن الكون مجموعة متضاربة متطاحنة من

<<  <  ج:
ص:  >  >>