للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القوى، وأن العلم لا يعطينا سوى فكرة ضئيلة عن هذه القوى بواسطة آلات أولية ناقصة في بعض الحالات فقط. وأنه ليس هناك أمل في التقدم أو النجاح، إذ أن نظرية التقدم ما هي إلا نظرية فاشلة، وأن الإنسان حيوان أرقى قليلاً من الحيوان الأعجم. ولعل هذه النظريات قد تبادلها غيره من قبل إلا أنها كانت شديدة التأثير على شعوره. وإنما يعود ذلك إلى مرضه الذي أصيب به، حتى أنه أصبح يخاف الرسائل التي تصله كما كان يفزع من علامات الود والمحبة التي يظهرها أصدقاؤه، إذ خيل إليه أنها محاولات اعتداء على حريته. فهو يفسر نظريته هذه بأن هؤلاء الأصدقاء إنما يشعرون بفراغ كبير في حياتهم، فيحاولون أن يتعلقوا بأهداب إنسان آخر يملأون به ذلك الفراغ. وبذلك أصبح موبسان يعتقد أن الصداقة والحب إنما هما نفاق وسراب، وأن الصلة بين كل رجل وآخر معدومة، إذ لا يمكن لأحدهما أن يفهم الآخر تمام الفهم. وعلى ذلك يجب على كل فرد أن يكون وحيداً، وبذلك امتزجت رغبته في الوحدة بخوفه من المجتمع. إلا أنه في وحدته كانت تتهيأ له خيالات يتوهم معها أن هناك شبحاً آخر يشاركه مجلسه فيبعث الخوف إلى نفسه ويدفعه دفعاً نحو الاختلاط بالأحياء الذين لم يعد يفهمهم جيداً. وقد زاد ذلك التعذيب خوفه من الشيخوخة والموت. فكانت فلسفة التشاؤم التي يسير على هديها تدفعه إلى الثورة دائماً. وأخيراً لم يجد منفذاً لهذه الخواطر والأفكار التي تعج بها رأسه حتى كان يرفض أي مناقشات أدبية، وأصبح يعتقد أنه ليست هناك أية قيمة للأدب، وأنه إنما يكتب تلك الأسطر لكي يكتسب منها بعض المال

وفي عام ١٨٨٩ بدأ يفكر في الانتحار كما يتضح لنا من قصة ? إذ تخيل فيها انتحاراً قانونياً يسمح لليائسين أن يناموا إلى الأبد باسمين مرتاحي الضمير. وقد طرقت هذه الفكرة مخيلته كثيراً في أيامه الأخيرة وحتى هم بتنفيذها، وكان حينئذ في طريقه إلى الجنون الذي أراحه من عناء هذه الدنيا وتفكيره الأسود في كل أحوالها

وعلى ذلك فإذا تدبرنا هذا الشاب الموفور الصحة في مبدأ حياته، والذي هده المرض في أخريات أيامه حتى ساقه إلى الجنون فبدأ يسمع نداءات الموت ترن في أذنيه، أمكننا أن نتتبع النغمات الصادرة من مؤلفاته في هذه الأطوار

٣ - نهايته

<<  <  ج:
ص:  >  >>