بالوجود كله. . وينطلق في كل الاتجاهات فترسم ريشته المليح والقبيح، وتتناول المترف والمبتذل، والرفيع والوضيع. . ويخطئ الذين يظنون أنه خط صاعد دائما، لأن الدعوة إلى الفضيلة ليست مهمة الفن، بل مهمة الأدباء وعلم الأخلاق. . وأنا أؤمن بجمال القبح، ولذة الألم، وطهارة الإثم، وهي كلها أشياء صحيحة في نظر الفنان. يقول كروتشه في نقد المذهب الأخلاقي في الفن: إن العمل الفني لا يمكن أن يكون فعلا نفعيا يتجه إلى بلوغ لذة أو استعباد ألم، لأن الفن من حيث هو فن لا شأن له بالمنفعة. وقد لوحظ من قديم الأزمان أن الفن ليس ناشئا عن الإرادة، ولئن كانت الإرادة قوام الإنسان الخير فليست قوام الإنسان الفنان؛ فقد تعبر الصور عن فعل يحمد أو يذم من الناحية الخلقية، ولكن الصورة من حيث هي صورة لا يمكن أن تحمد أو تذم من الناحية الأخلاقية؛ لأنه ليس ثمة حكم أخلاقي يمكن أن يصدر عن إنسان عاقل ويكون موضوعة صورة. إن الفنان فنان لا أكثر، أي إنسان يحب ويعبر. ليس الفنان من حيث هو فنان عالما، ولا فيلسوفاً، ولا أخلاقيا. وقد تنصب عليه صفة التخلق من حيث هو إنسان، أما من حيث هو فنان خلاق فلا نستطيع أن نطلب إليه إلا شيئا واحدا هو التكافؤ التام بين ما ينتج، وما يشعر به)
لقد وفق نزار قباني في عرض قضية الفن في هذه الكلمات الصادقة التي تخيرتها من كثير. وحين استشهد برأي كروتشه، وهو رأي يقطع خط الرجعة على الرجعيين. . وحين نفد إلى مكامن الهدف بهذه الإصابة البارعة في قوله:(ولو صح لنا أن نقبل ما زعمته المدرسة الأخلاقية في الفن لمات الفن مختنقا بأبخرة المعابد. . ولوجب أن نحطم كل التماثيل العارية التي نحتها ميشيل أنجل، والصور البارعة التي رسمها رفائيل، لأنها إثم يجب ألا تقع عليه العين؛ ولو ذهبنا مع أشياع هذه المدرسة إلى حيث يريدون، لوجب أن نخرج من حظيرة الشعر الجيد قصيدة النابغة التي قالها في زوجة النعمان سقط النصيف ولم ترد إسقاطه=فتناولته واتقتنا باليد
ولكان علينا أن نعلن النابغة، ونعتبره ضالا لا يستحق أن تقرأ سيرته وأشعاره!)
أنا مع نزار قباني ولو وقفت وحدي إلى جانبه، وسأصغي إليه بكل جوارحي حين يهمس في قصيدته (حلمة):